علي رِسْلِكُم ..إنّكُم وَاهِمُون / محمد يسلم يرب ابيهات

يفخر كل بلد ويعتز بمستوي تقدمه وما يحققه في جميع مناحي الحياة من رقي وتقدم وازدهار، في البني التحتية، والتعليم، والصحة، والسكن، والأمن والاستقرار؛

ولا يبقي في ذاكرة الأجيال مخلّدَ الذكر، منشورَ المحاسن، مَتْلُوَّ المآثر إلا الأفذاذ من القادة الذين بنوا، وشيدوا، وبوَّؤوا بلدانهم مكانة مرموقة بين الشعوب والأمم..

تلك مُسَلَّمَةٌ يرويها التاريخ، وتثبتها الشواهد، ويقوم عليها الدليل المعضد بالبرهان، من الذكر المنزل علي سيد بني عدنان، من لدن خالق الأسود والأبيض : ( فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.)

والشعب الموريتاني الذي شبّ عن الطوق، ونظر إلي الفوق، ولم يعد يرضي من المنجزات بالقليل، ولم يعد يصغي إلي الخطابات بلا دليل، قد أصبح عَصِيًا علي الإقناع، واسع الباع، جمّ الاطلاع، مُلِمًّا بطرق استخدام أحدث ما توصلت إليه الثورة الرقمية من اختراع..       

فعلي رسلكم يا واهِمُون، و يا مُوهِمُون، و يا مُتَوَهِّمون، و يا وَهَمِيُّون..

فالواهمون، منتهي الوهم، هم أولئك الذين يحملون خطاب التفرقة والحقد والفئوية، المفعم بروح النقمة والانتقام والطائفية، الذي يحشُد العُدّة والعتاد، مُؤَيَّداً بقوي الشر والفساد، للنيل من وحدة شعب مسلم مسالم، قال بمليء فيه، من قاصيه لدانيه، لا لحرق الكتب الفقهية، لا لتنفيذ المخططات الأجنبية، لا لسَبِّ العلماء، لا لأساليب الغوغاء، لا لدقّ إسفين التفرقة بين إخوة الشِّرْعَةِ والمِلَّة، والمُعْتَقَد والنِّحْلَة، والنسب والرحم، والطباع والكَلِم، والعادات والأطباق، والوَجْدِ والاشتياق، واللِّبْسِ والحِسِّ، والتلفُّظ والنَّبْسِ، والترْويح والمديح، والحُداء والهُيام، والترنم بشجيّ الأنغام، والحِلِّ والتِّرْحال، والصبر علي شظف العيش، وتقاسم "الكسكس" والعيش، وإطعام الطعام، وإفشاء السلام، والرفق بالضعفاء والأيتام، والصلاة بالليل والناس نيام. فتلك قواسم مشتركة، وقوالب غير "مُفَبْرَكَة"، نسجتها أواصر التقوي والورع، ووشائج أنساب لا تُمْنَعْ، وأرحامٌ لا تُقْطَعْ. فلا يَحْسِبَنَّ واهم أن "البيظاني"، سيفترق مع "الحرطاني"، مَا سَبَّحَ نَجْمٌ في فلك، وما أطاع اللهَ ملك.

نعم سَتُرَدُّ المظالم، وسيُجبر الْكَسْر، وتحارب آثار القَسْر، بلا هوادة ولا لِين، بين أحفاد من عانوا من الظُّلم باسم الدين، وأحفاد من ظَلَمُوا، عفا الله عنهم، لتعاليمه مُتَأوِّلين؛ حتي نَبْنِيَ جميعا موريتانيا الغد المشرق، بالمحبة الصادقة، والتآخي المُثْمِر، والوحدة والوئام، والتفاهم والانسجام، والتزاوج والامتزاج التام، والعدل والمساواة، بدون تحيّز ولا محاباة، في ظل دولة حديثة، تتساوي فيها الفرص أمام الجميع، ويسودها القانون ولا شيء سوي القانون .

رَفَضَ هؤلاء الواهمون المُغَالِطون، الاعتراف بالدور الفَعَّال الذي باتت تضطلع به وكالة التضامن التي تم إنشاؤها خصّيصا، لمكافحة الفقر ومُحاربة آثار العبودية، وحوانيت "أمل" لبيع المواد الاستهلاكية بأسعار مخفضة، والإسراع بحلِّ الكثير من مشاكل الأحياء الشعبية، بتقسيم القطع الأرضية، واستصلاح أحياء سَكَنِية، كان التخطيط والاستصلاح بالنسبة لساكنتها حلما، كحيّ ملَّح، ودار النعيم، والترحيل، وإيصال خطوط الكهرباء والماء الشروب إليها، واعتبار الرق جريمة ضد الانسانية، يعاقب عليها القانون، وإعطاء التعليمات الصارمة للسلطات المحلية بالضرب بيد من حديد علي كل ممارس لجريمة الاسترقاق، وإنشاء محاكم مختصة لذلك، والعمل ليل نهار علي دعم وتكثيف الجهود للقضاء نهائيا علي مخلفات العبودية. فمتي يقتنع هؤلاء، لماذا يصرّون علي المكابرة ورفض الحقائق علي أرض الواقع؟ ما ذلك إلا لأن لديهم أجندات أجنبية، ويَسْعَوْنَ إلي استغلال قضية عادلة، بــ "تسْييسِها"، لتحقيق أهداف "سياسوية" محضة، والاسترزاق بها في الخارج، وتأليب ضعفاء العقول في الداخل علي إخوتهم، والتغرير بهم، وسحبهم إلي متاهات التخندق، والتعصب، والراديكالية في الطرح، والبعد عن التعايش السلمي، والطموح الأعمى للوصول إلي السلطة لتطبيق أجندات خارجية معادية للوطن والدين. فهل يغترّ الشعب الموريتاني بهؤلاء؟ كلا، فالشعب الموريتاني لم يعد ينخدع.

 

أمّا المُوهِمُون فأولئك الذين أتقنوا ركوب الأمواج، حتي لم يعد لهم من علاج، واستمرؤوا طلب الدنيا بالدين، والعياذ بالله، حتي صاروا أقرب إلي المفسدين. أيَظُنُّ أولئك أن الشعب الموريتاني، الذكي الفطن، يمكن أن يُخْدَعَ بزواج "غير شرعي" بين من يَدَّعون دعم المقاومة الفلسطينية ومحاربة اختراق الصهيونية، ويغضّون الطرف عن مترشح، لم ينبس ببنت شفة، ولم يحرك ساكنا، وكان ذلك منه ممكنا، حيث كان إبان "التطبيع"، زمن اعتماد سفارة الصهاينة الفظيع، في أعلي هرم السلطة، فلم تتحرَّك منه شعرة!

ما ذا دهي "الناطحين" تارة، "المكابرين" تارة ؟ المُقْسِمِين أن "الرئيس لن يعود"، المُقابِلين "المُرَخِّصَ" لحزبهم بنُكْرانِ الجميل، الذين جَنَوْا علي الفكر التجديدي الاسلامي أكثر مما أفادوه؟ فلا ممارستهم للسياسة أقنعت، ولا أدوارهم الاجتماعية أثمرت، لأنهم نسوا أن الاسلام لا "يُستجلب" إلي موريتانيا، بل منها يَصْدُر، وعنها يُنْشَر. وعجزوا عن حسم خيار الهوية اللغوية، حين صمّوا الآذان عن تبليغ سيد الثقلين، مُبَلِّغاً دون مَيْن، عن رب العزة والجلال، بلاغاً شافياً : (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًا)؛ فَلَجُّوا في صَخَبٍ لَهَجِي، ورَطَنٍ فِرِنْسي. وهل ينسي الشعب الموريتاني أن المترشح الذي يدعمون، هو من "تكنوقراط" العهد البائد الذي عليه يَنْقِمون؟ إنهم يتعمدون خداع الشعب الموريتاني، حين "يُطْرُونَ" من لم يُجَرِّب سوي العمل في "الوزارات" ثم انتقل منها إلي "السفارات" بأنه تَوَلَّدَتْ لديْه ، وكُلِّ مَنْ حَوَالَيْه، بين صُبْحة وعَشِية، عبقرية قيادية، ومهارات سياسية، هو نفسه لا يدّعيها، ولا طَمَعَ له فيها!  أَلاَ يكفيهم مُغالطةً وقلبا للحقائق؟ ألا يرْعَوُونَ عن تخبّطهم السياسي؟ حتي بعد أن غادرَ صَفَّهُم النجباءُ، والعقلاءُ، والكَيِّسون، الذين كانوا بِنَهْجِهِم مُنْخَدِعون؟ وتَراهم ينعَتون المترشح الذي يدعمونه اليوم، بأنه رئيس التغيير المدني، فهل كانوا يتعاملون، طيلة مأموريتين رئاسيتين، مع حاكم عسكري، أم مع رئيس منتخب، ترشح مستقلا، فاختاره الشعب الموريتاني بنسبة مريحة. واعترف الجميع، كما اعترفوا هم أنفسهم، بنتائج تلك الانتخابات، بعد تزكية وإشادة كل المراقبين المحليين والدوليين، بشفافيتها، ونزاهتها.

 

 وأمّا المتوهّمون فإنهم أولئك الذين ظنوا أنه بتجربة "كَدْحِية"، من بقايا ومخرجات الحقبة الشيوعية، مضافة إلي ثورات خَطَابية، ومغازلة لدعاة الطائفية "الفُلاَّنِيَة" ، ومُزارعين قِلَّةٌ في الضفة الجنوبية، يُمْكِنُهُم الفوزُ في الانتخابات الرئاسية! فهؤلاء، ولا نطيل في شأنهم، لا حُظوة لهم عند العقلاء، ولا شعبية لهم في الدهماء!  

وأما الوَهَمِيُّون فهم الذين لا حظَّ لهم من واقعية، دعاة الدفاع عن الأقليات العرقية، يرفضون العربية بالكلية، ويَفْخَرون بــ "التفرنس" والفرنسية  ويحملون خطابا "انفصاليا" وتترسخ فيهم الجهوية، قد تبرّأ منهم الزنجي والزنجية، الذين لا يمكن لأحد المزايدة علي ولائهم التاريخي الراسخ، للإسلام والعربية، في "محاظرهم" أتقنوا مختصر خليل، كما أحكموا حفظ التنزيل، والعقيدة الأشعرية، والعلوم الأصولية ، وهاموا بالمعلقات ، وأتقنوا القراءات. فلا يمكن للوهميين خِداعُهُم، بَلْهَ أن يُقْنِعُوا غَيْرَهُم. فما عسي يُقَالُ لمن يترشح ليُغرِّر بمواطنين، يربطهم واقع العيش الواحد، والمصير المشترك مع أغلبية لا يملكون عنها انفصالا، نظرا للوحدة الجغرافية والعقائدية، وقرونٍ من المعايشةِ السلمية. إنه تَرَشُّحُ مَنْ قُصَارَي جُهْدِهِ أن يقولَ: "أنا هُنا"، ويُوهم الأجْنبيَّ، خصوصا المستعمر الفرنسي، أن موريتانيا تعاني من "العنصرية". فمثل هذا، مثل المنبتّ الذي (لا ظَهْرَ أبقي، ولا أرضاً قطع).

إن الشعب الموريتاني، إنْ يَحْرِصِ اليوم علي شيء، فإنما يَحْرِصُ علي حفظ المكتسبات وتعزيزيها، وتوطيد الأمن والاستقرار، والمطالبة بالمزيد من البناء والتشييد والعمران. ومن الجليّ الواضح، وبشكل لا يحتاج إلي منافح، أن عوامل الخيار الموضوعي، المتمثلة فيما يلي، تجعل مترشّح الاجماع الوطني، الأكثر إقناعا، والأجدر بالتصويت المكثّف إجماعا. كيف ذلك؟

1-لأن الرجل يشكل بحقّ صمّامَ أمان أمام الارهاب، والأمن أوَّلُ الأولويات. ومن خَبَرَ الأمنَ العسكري، وأداره إدارة العبقري، فلا أحد من بين المترشحين الخمسة الباقين، يمكن أن ينافسه علي مستوي الإلمام والإحاطة بحيثيات وتعقيدات الملف الأمني، والطريقة الأنجع للتعامل مع ملف بالغ التعقيد. ويعلم الجميع أن الأمن هو التحدي الأكبر اليوم للدول والشعوب.

2-نجاحُه يُكَرِّسُ لتناوب سلمي رائع علي السلطة، سيشكل بدون أدني شك، سابقة في التاريخ السياسي لموريتانيا، حيث سيُسَلِّمُ السلطة رئيس منتخب لرئيس منتخب، ويُمَكِّنُنا ذلك من طَيِّ ونسيان حقبة الانقلابات، ويُرسِّخُ بالتراكم، لنهج الديمقراطية الصحيح في مزاولة الحكم، وهو ما يعني خروج كل رئيس أكمل، علي الأكثر، عُهْدَتَيْنِ، من سدّة الحكم بكل هدوء وسلاسة.

3-لمترشح "الاجماع الوطني" رصيد معتبر من العلاقات الطيبة مع الطيف السياسي ككلّ. وذلك ما ظهر جليا منذ إعلانه الرائع لترشحه، حيث لَقِيَ هذا الترشح صدي طيبا وتعاطيا إيجابيا من طرف الكثير من المعارضين، ناهيك عن أحزاب الأغلبية المُوالين. وَمَا المبادراتُ المتواصلة، والزخم الاعلامي الذي أخذته حملته، حتي قبل انطلاق الحملة بشكل رسمي، إلا مؤشرٌ علي العمق والرسوخ المتنامي، الذي بدأ يأخذه هذا الترشح.

ويبقي الحُكم النهائي، والكلمة الفصل، لصناديق الاقتراع، التي سيتوجه إليها الموريتانيون، بحول الله، يوم 22 من الشهر القادم.

تقبل الله صيام الجميع.

محمد يسلم يرب ابيهات

نواكشوط 28/05/2019م

    

     

28. مايو 2019 - 11:25

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا