الموت المصير الحتمي ومستقبل كل البشر الذي لا مناص منه ،يتساوى فيه القوي والضعيف والغني والفقير والصغير والكبير "كل نفس ذائقة الموت" لتبقي مرحلة مابعد الموت وقبل وبعد الدفن من الحقوق التي أوجب الله على الأحياء فعلها تجاه الميت حين يسمى "جنازة" فيوجب الشارع عليهم أمورا وتندب لهم أمورا وتحرم عليهم أخرى وتكره؛منها مايخص "الجنازة نفسها" ومنها مايخص سلوكيات الأحياء أفعالا وأقوالا ؛ذلك ماسنلحظه الليلة حين نخرج سنبلتنا من دفنها في البخاري والمرسومة بعنوان "كتاب الجنائز" البالغ عدد أبوابه ست وتسعون بابا؛تتعلق كلها بمتعلقات الكتاب ومشتقاته؛غير مفتتحة بآية قرآنية تتقسم أبواب الكتاب أقساما فمن الباب الأول إلى الباب الثامن يمكن تسميته بالكلام عن لحظات الموت أو ماقبل الدفن؛وفيهم تكلم المؤلف عن من كان آخر كلامه لا إله إلا الله وأحاديث دخوله الجنة؛ثم تتحدث الأبواب عن اتباع الجنائز والدخول على الميت؛واخبار الناس بالموت قبل الدفن ليحضروه؛ثم نعي الميت لأهله؛واحتساب الولد أجر مصابه في أبيه وصبر المرأة وتصبرها ..
ومن الباب الثامن حتى الثامن والعشرين تحدثت الأبواب عن الغسل وحده الشرعي وكيفيته الإسلامية من أين البدء والختام وكم مرة يغسل تطهيرا وغسلا وتطييبا؛مفصلا في ذلك شَعر المرأة وخصوصيات كل جنس على حدة؛ثم الكفن بأقمصته وعمامته وتحنيطه وميزات الرجل والمرأة عن بعضهما في الكفن وملحقاته...
ومن الباب الثامن والعشرون إلى الخامس والأربعون تحدثت أبوابه عن أحاديث الحداد والصبر والنهي عن البكاء والنياحة وشق الجيوب وضرب الخدود والجلوس عند الجنازة حزنا؛ثم الصبر وعدم إظهار المصيبة والتماسك عند الصدمة الأولى ...
ومن الباب الخامس والأربعون إلى الباب السادس والستين ؛تحدثت الأبواب عن حمل الجنازة واتباعها وعدم الجلوس لمن قام لها حتى تدفن؛وحمل الرجال للجنازة دون النساء؛ثم صفوف الجنازة تباينا للعدد والكفية؛والصلاة على النفساء؛تبيينا لعدد التكبيرات؛والتكبير وقراءة الفاتحة على الميت؛والصلاك على القبر بعد الدفن؛وسمع الميت خفق نعال أهله .
لتكون باقي الأبواب عن الدفن وآدابه وأحكامه والصلاة في القبر ودفن الجماعة؛وتقدير اللحد وجعل الإذخر والحشيش في القبر؛وبيان حكم اخراج الميت من قبره لعلة؟ لتكون الصلاة على المنافقين تلي صلاة المسلمين على الصبيان ترتيبا في الأبواب لا حُكما؛لتتوقف الأبواب مع "عذاب القبر" وما يسببه قبل الموت وكيفيته بعدها ؛وتكون موتة الإثنين والموت بقتتة آيتان تحدثت عنهما السنة وفصلتهما وبينتهما تبيانا ففي الاثنين رجاء للصديق رضي الله عنه أن يموت فيه؛وفي الأخرى الصدقة عن الميت لأنه مات فجأة ولربما كان ينويها ...
لتتحدث الأبواب بعد ذلك عن قبر النبي "ص" وأبو بكر وعمر رضي الله عنهما ؛يتبعهما باب قبل الأخير عن النهي عن سب الأموات لما في ذلك من سخافة وقلة عقل؛ويختم حديث نزول "تبت يداء بي لهب" معنونا بآخر عنوان "شرار الموتى " فهل من علاقة بين خبث أبى لهب وموته مع أعماله الدنيئة في الدنيا ؟ ذلك ما أظن المؤلف يقصده والله تعالى أعلم .
إنها الجنائز التي تحمل لحظات أوقات الدنيا على الأعناق يشيع فيها المسلمون كل ثانية غاديا إلى الله قد وفى أجله وقصى نحبه؛حتى يغيبوه في صدع الأرض قد فارق الأحباب واستوطن التراب وتوقف أمله وأجله بقي معه عمله الصالح؛وقدم إلى الخلاق العليم القائل جل شأنه "وإليه ترجعون" فهناك عوالم الغيب والرب الرحيم الذي لا تخفى عليه خافية جل جلاله ....
كل الأبواب السابقة تفسر تكريم الإنسان في الشرع واحترامه حيا وميتا؛تعطيه حقوقه وهو جثة هامدة وتواسي أهله فيه، تبيح لهم وتحرم عليهم؛تشرع لمن يتولاه غسلا ودفنا أمورا كلها تكريما واحتراما وتحرم عليه أخرى ؛لينتقل الميت من هذه الدنيا مكرما طاهرا طيبا ملبسا محترما "كما بدأنا أول خلق نعيده"
ومالجنازة في اللغة إلا الميت والنعش والمشيعون؛ وعند الشرع نفس الدلالة مع الوصف توصيفا لحالة كل مخلوق عليها قادم ولو بعد حين .
ولله الأمر من قبل ومن بعد .