في إحدى لحظات تفرده قرر "نيرون" حاكم روما الأوحد أن يخرج لمخاطبة شعبه، قال في قرارة نفسه: من يدري قد يكون هناك بئيس أو صاحب مظالم، لقد أرسلني الرب لأطهر روما من خطيئة "كاريغولا" الذي تزوج من أخته "روسيلا" وقتل معارضيه وعين فرسه عضوا في مجلس الشيوخ. وأثناء حديثه مع نفسه أنهى مدير ديوان خلوته: مولاي أحد مواطني روما، أشعل النار في جسده.
بدت علامات الاستغراب واضحة على وجه الامبراطور: كيف يقتل مواطن حر نفسه، لن يفعلها إلا أحد أتباع "اسبارتيكوس" الذي حرق أمهات كتبنا المقدسة. استدعى "نيرون" مجلس الحكم وطلب تفسيرا عاجلا: هل يوجد مظلوم واحد في روما؟، لماذا يحرق مواطن نفسه أريد جوابا عاجلا، واتجهت نظراته إلى وزيره الأول، الذي خاطب الامبراطور قائلا: مولاي الأمر في غاية البساطة لا تشغل نفسك إنه مجرد مجنون قرر وضع حد لحياته. أدار "نيرون" وجهه إلى وزيره المكلف بالشؤون الدينية، طأطأ معاليه رأسه وهمس: صحيح يا مولاي إنه كافر والعياذ بالله، قاتل النفس لا يشم رائحة الجنة. صرخ "نيرون": لكن كيف يصاب مواطن من امبراطوريتي بالجنون لقد قضيت على الفقر، وحاربت الفساد، وبنيت مكان أعرشة الحي الساكن قصورا وعمارات، ووظفت حملة الشهادات، وأفرغت السجون من السلفيين والمعارضين وأصحاب الرأي, بل حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما. ومن أجل كل ذلك، ستكون نتائج الاستحقاقات القادمة محسومة لصالحي سلفا، ولن أتنازل عن كرسي الإمبراطور، لأزلام "كاريغولا"، وعصابات الموت التي تدعي حمل لواء الدين في التخوم، لا يهمني موقف أمريكا ولا فرنسا، إنما مصلحة روما، التي هي في النهاية مصلحتي سأنهب الذهب والحديد والسمك، سأرخص لرجالاتي البنوك وشركات النفط التأمين.
حينها سمع "نيرون" أصواتا تنادي "امعارضين، إرحل.." تأمل جيدا، وقال إنهم يكذبون ليست لدي "صحافة" تنقل الأخبار بشفافية، أو تزعجني بأسئلتها عندما أواجه الشعب.. ابتسم وأمر الجميع بالانصراف.. قال في صمت، سأفقرهم جميعا لأكون إمبراطور الفقراء، سأجعلهم جميعا يحترقون، وأحرق "روما" لأبنيها من جديد.. وهكذا إلتهم النيران أعرق حضارة مدنية.. لكن "نيرون" مات وبقيت "روما".