همسات دمشقية / المهدي بن أحمد طالب

 المهدي بن أحمد طالبلقد لَحى الله دمشق بمحن توالت على أُذني السامعين ، ودُكت مآذنها على أيدي التتار والمغوليين ، شُردت النساء ويتم الأطفال وبكت الأرامل وناحت العجائز لكن دمشق معدنها ذهبي مهما طالت المحن وزفرت بأنين الثكلى واليتامى .

دمشق عاصمة الخلافة الأموية ومنبع العلم والعلماء ، بل لولا دمشق لما عرفنا القدس ولما عرفنا بغداد ولما عرفنا طبرية ولا عسقلان !

على ثراها سارت خطى عبد الملك بن مروان ودكت عند حصونها وقلاعها أعناق جبابرة الروم  !

القلعة الدمشقية ومئذنة مسجد بني أمية خير شاهد على ما أقول !

بها دفن خالد بن الوليد سيف الله وسيف الرسول ، بها دفن ابن تيمية عالم العلماء ، بها وفيها تربى صلاح الدين الأيوبي فاتح القدس ومُحي الملة !

إيهٍ دمشق ماذا سأكتب وماذا سأقول ؟

دمشق قصة الحضارة ،  بكل ما تحمله الكلمة من بديع الكلمات ومعاني الحروف!

حدائق ذات بهجة تتخلل أروقتها ، غنى لجمالها الحمام ورقصت على إيقاعها قصائد نزار قباني ، وسُطرت على رقها كلمات محمد علي الطنطاوي !

دمشق هي القصيدة وهي القاموس ، لا تحتاج إلى القوافي ولا تحتاج حتى إلى الحروف!

نعم حدثني عن دمشق !

دمشق ليست كطرابلس ولا كتونس ولا كالقاهرة لأن قصة حضارتها بنيت على جماجم الرجال وصهيل الخيل !

نعم هذا ياقوت الحموي يقول في معجم بلدانه " ما وصفت الجنة بشيء إلا وفي دمشق مثله "

لقد شهدت دمشق أياما سالت فيها الدماء وجُزت فيها الرؤوس ، ففي نهاية العهد الأموي شهدت مجازر جماعية وحرق حتى للأموات بعد نبشهم من القبور ، بل إن زوجة عبد الملك بن مروان جُرت وهي حافية عارية إلى البرية وقتلت هناك على يد غلمان بني العباس كما يقول البلاذيري في فتوح بلدانه !

دمشق أسطورة التأريخ وكتابها الذي تسجل فيه الأحداث ، فقلما يكتب كاتب في التاريخ إلا ذكر شيئا ولو نزرا قليلا من أخبارها .

أما سجل الثورات فليس جديد على ساكنتها ، فقد ثار أتباع الأمويين على ولاة بني العباس وأمرائهم ، وأول ثورة عرفتها دمشق هي ثورة عثمان الأزدي وثورة هاشم بن يزيد السفياني وثورة أبي العميطر وثورة مسلمة بن يعقوب المرواني ... ألخ .

إن هذه الثورات المتوالية كانت نتيجة وثمرة للثورة الأولى التي قامت على بني أمية ومن زرع الحنظل عليه أن ينتظر  حتى يتجرع كأسا منه !

نعم دمشق ظلت صامدة رغم الجروح التي خدشت وجهها الجميل وبقيت بعد كل هذا مسيطرة على ماء شبابها مبتسمة في وجه التاريخ قائلة هل هناك ثورة أخرى ؟

نعم هناك ثورات وثورات !

جاء حافظ الأسد في أزيز ثورة الحركة التصحيحية منقلبا على رفيق دربه صلاح جديد بعد هزيمة 1967م التي قرر صلاح جديد مواصلة الكفاح مهما كلف الثمن ضد الكيان الصهيوني !

نعم مهما كلف الثمن لكن كبار الجيش اختاروا الاستسلام ووضع السلاح حتى يكون الجيش في قوة أقوى من هذه .

نعم كانت حجج حافظ الأسد كحجج غيره من الانقلابين ، تصيح مسار الديمقراطية وإعادة تأهيل الجيش من جديد واستولى على الحكم سنة 1970م .

هكذا زعم حافظ الأسد لكن التاريخ مازال في صراع أبدي مع  عاصمة الخلافة الأموية دمشق .

أخيرا جاءت رياح الربيع العربي لتعيد التاريخ من جديد وبدأت دمشق تسجل أحلامها الوردية بمداد أحمر قاني اللون ، ذبح للأطفال كالخرفان ، ودماء تجري مجرى الأنهار والوديان إلا أن هذه الثورة تختلف عن سابقاتها وذلك أن :

غالب الثورات الدمشقية كانت تأتي من الداخل بعد حملة تثقيفية يقوم بها أبناء حمص والجولان وهذه المرة يقف ورائها النيتو وحلفاء الشرق الأوسط الجديد !

أنا لا أبرر جرائم بشار فهو سفاح دمشق وابن سفاح حمص ، لكنني كذلك لا أبرر الهمجية المقابلة التي تفتخر بأن الذبح بالسكاكين هو الخلاص الوحيد !

مهما كان الدافع ليقتنع كل من قام بثورة أو ساعدها أن بيته الزجاجي سيتكسر عليه يوما بأيدي من بنوه له ورقصوا بين يديه !

صحيح أن بشار الأسد هو آخر الممانعين من العرب ، وآخر من يقف في القمم العربية ويقول " لقد كشفت الحرب عن أنصاف الرجال "

ولعل هذه الكلمة هي السبب الحقيقي وراء الداعمين لإسقاطه من عرشه !

دمشق العذراء خطبها خطباء ، تزوجت البعض منهم وبقيت صامتة عن البعض ، تزوجها عبد الملك بن مروان وحاول المتوكل العباسي نقل عاصمته من سامراء ليدخل بها لكن الأتراك اثنوه عن ذلك ، فمن يا تُرى سيخطب دمشق ويتربع على عرشها من جديد  ؟؟؟

 

                                     المهدي بن أحمد طالب / كاتب وباحث في الفكر الإسلامي

 

 

 

  

 

 

15. أغسطس 2012 - 14:10

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا