من ولد احمين أعمر إلى ولد مولود: نهاية التضييق.. بداية التصفيق؟!/ محفوظ ولد الحنفي

محفوظ ولد الحنفيمازالت حالة الشد والجذب طاغية على شكل التعاطي السياسي بين السلطة الموريتانية ومعارضتها الراديكالية؛ فلا تكاد آذان المواطنين تستريح قليلا من سماع خطابات التصعيد والملاسنات النارية؛ حتى تفيق على موجة جديدة منها أشد حدة، وأبلغ تعبيرا، وأوضح وعيدا... ولكن؛ دون أن يعرف الواقع الملموس أي جديد يشي

باحتمالات حدوث أدنى تغيير: لا من أجل التصعيد؛ ولا من أجل التهدئة..!!

آخر صرعات موضة الملاسنات والتهديدات حملت هذه المرة توقيع رئيس حزب اتحاد قوى التقدم الأستاذ محمد ولد مولود عندما "أنذر" النظام و"بشر" المعارضة بأن الأيام (وليس الشهور أو السنين) القليلة القادمة ستكون كفيلة بأن توضح لولد عبد العزيز من الأحق بالرحيل: هو أم معارضته!!

هذا التلويح "التقدمي" سبقه تلويح "عسكري" جاء على لسان العقيد والرئيس السابق اعل ولد محمد فال حين حذر قبل شهر من الآن من أنه "على الرئيس محمد ولد عبد العزيز أن يدرك جيدا أنه ليس وحده القادر على استخدام العنف وفرض إرادته بالقوة"!!

فما الذي تضيفه تلويحات الكادح العائد لتوه من رحلة علاج أنهاها بالثناء على أريحية الدولة الموريتانية في تقديم يد العون له للتعافي من مرضه؟؟ شفاه الله وعافاه..

على الأرض لا جديد معلن سوى ما تسرب مؤخرا عن اجتماع لمنسقيات المعارضة (الشباب، والنساء، والمنسقية الأم) والذي انتهى بتبني برنامج تصعيد حافل ينطلق مباشرة بعد شهر رمضان؛ ويستهدف التعجيل برحيل النظام..

أما عن مضمون هذا البرنامج وأدواته وأساليبه؛ فهو المزيد من المسيرات والمهرجانات والندوات وحملات التعبئة.. أي مزيد من عمليات "عض الحجارة" التي ما فتئت المنسقية تمارسها منذ رفعت مطلب الرحيل حتى كادت تطيح بأسنانها السياسية دون أن تؤذي المعضوض، أو حتى تجعله يشعر بأن هنالك من يفكر في عضه، ولا حتى في ملامسته عن قرب!!.

ولسنا نجد في شيء من هذا ما يجعل قائدا حزبيا وسياسيا محكنا ومخضرما يتحدث بمثل تلك الوثوقية عن رحيل وشيك لنظام منتخب شديد التحكم في كل مفاصل الدولة وأجهزتها: العسكرية والأمنية والسياسية والإدارية!

لكننا نعرف من تاريخ نخبتنا السياسية القائدة منذ عقود أن أغلب وأشرس أشكال الصراع الذي تقوده وتمارسه بهوس ووفاء عجيبين هو ذلك الصراع الحدي المزمن بين ما تقوله هذه النخب وما بين ما تفعله وما تفكر في فعله؛ حتى تعلمنا منها مسلمة تكاد تكون "بديهية"، مفادها أن "نهاية التصعيد مع الحاكم؛ هي ذاتها بداية التصفيق له"، والعكس أيضا صحيح كما تعلمناه سابقا من أحزاب "التكتل"، و"تواصل"، و"حاتم"؛ حيث كانت "نهاية التصفيق، هي ذاتها بداية التصعيد"!!

هذه "المسلمة" يدركها ويعيها جيدا قادتنا السياسيون الذين ابتدعوها و"شرعوها"، كما أن وعي قادة منسقية المعارضة الديموقراطية لها كان هو السبب الوحيد وراء كتابة ميثاق "شرف" خاص بهم خلال شهر رمضان المبارك؛ حيث كشفت مصادر من داخل هذه المنسقية لموقع "الحرة" عن أن انعدام الثقة بين مكوناتها وخوف بعضها من أن يسبقه البعض الآخر لإبرام صفقة مفاجئة مع النظام؛ هو ما عجل بتوقيع ذلكم الميثاق!

ولقد واجهت منسقية المعارضة بعضا من مخاوفها كما رأيناه جميعا وهو يأتي من حيث لا يتوقع ولا ينتظر بحسب منطق المقدمات والنتائج!!

من ولد احمين أعمر إلى ولد مولود: المدرسة واحدة..

لقد سمعنا الكثير من النقد الموجه للرئيس محمد ولد عبد العزيز يصدر عن العديد من معارضيه؛ لكن أحدا من هؤلاء المعارضين لا يمكنه أن يجادل بحق في أنه "أفلح" في بلوغ معشار ما بلغه لسان ولد احمين أعمر من نقد جارح للرئيس تعاضدت في إنتاجه عوامل سياسية واجتماعية وجهوية ونفسية و"أخلاقية" معقدة...

ولقد كان بمقدور أي عاقل سوي أن يحلم في منامه بأن جميع قادة المعارضة قد التقوا الرئيس ووقعوا معه صفقة تنهي صراعهم معه إلى الأبد؛ لكنه لم يكن بوسع أغبى الناس أن يحلم بأن ولد احمين أعمر يفعلها؛ دون أن يشكل ذلك كابوسا مرعبا له يقوده إلى غرفة العناية المركزة في أحدث المصحات العقلية!!!

ومع ذلك؛ فقد فعلها ولد احمين أعمر حين اكتشف فجأة أن الرجل الذي لم يبخل عليه يوما بنقد بذيء أو وصف رديء هو زعيم فريد: "لا يحاور، ولا يناور، ولا يبتسم، ولا يجامل.. ولا ينطق إلا عن قناعة وفكرة واضحة ومقنعة".. وأنك حين تلقاه فسيكفيك مغنما أن تنسحب عنه بسلام..

ولذلك انسحب "صاحبنا" عن صاحبه بسلام.. لكنه لم يكتف بذلك السلام؛ بل بالغ في إجراءات السلامة الإضافية؛ فيمم وجهه مباشرة شطر أهله وربعه وولايته؛ مؤذنا في الناس: أن اخرجوا لاستقبال رئيسكم بالهتاف والزغاريد بمناسبة احتضان ولايتكم للنسخة الثالثة من "لقاء الشعب"..

وذلك هو ما تعلمه عمدة أوجفت من مدرسته السياسية التي خرجت جميع زملائه السياسيين الموريتانيين (يساريين ويمينيين، إسلاميين وقوميين...)؛ فلا فرق في هذا بينه وبين أي من قادة نخبتنا السياسية: موالية كانت أو معارضة..

وربما لهذا السبب؛ اعتبر البعض أن تصعيد ولد مولود ما هو إلا نوع من دق باب السلطة والاستئذان في الدخول على الرجل الذي "لا يحاور، ولا يناور، ويتبسم"... والله أعلم.

ورطة المعارضة: طريق واحد للخروج من الأزمة..

إذا صح أن للنظام أزمته (كما تؤكد المعارضة)، فإن أزمات هذه الأخيرة ليس عليها أي غبار؛ وهي أزمات ناتجة عن علبة نكسات وإخفاقات متتالية ظلت تعيد إنتاجها بطبعات وأشكال مختلفة؛ منذ الإطاحة بالرئيس سيد محمد ولد الشيخ عبد الله وحتى اليوم.

وقد نتجت تلك الإخفاقات عن سلسلة مواقف مرتجلة تبنتها قوى المعارضة فرادى أو مجتمعة؛ دون أن تنجز من ورائها أي مكسب يمكن التثبت من تحققه؛ سواء عندما دعم بعضها انقلاب الرئيس عزيز دون أن يحقق من ذلك أي نتيجة، أو عندما عارضه دون نتيجة، وحاوره دون نتيجة، وقاطعه دون نتيجة، وطالب برحيله وما زال يطالب به؛ دون نتيجة أيضا..

وهكذا تحولت مؤسسة المعارضة إلى مصنع لإنتاج ردات الأفعال المتسرعة التي سرعان ما تتحول إلى بضاعة كاسدة لا تجد من يشتريها ولا حتى من يتطوع بسحبها من سوق كسدت فيه وتحولت داخله إلى منتج فاقد الصلاحية وشديد الضرر بمستهلكيه!!

ولو كانت نخبتنا السياسية تتمتع بأقل قدر من الشعور الأخلاقي أو الإيمان بأبسط أبجديات الديموقراطية والتداول الطوعي للسلطة والقيادة؛ لكان بعض تلك الأخطاء (وليس كلها) قيمنا بجعل قادة المعارضة يسارعون إلى الاستقالة من مراكز القيادة في أحزابهم؛ ولأفسحوا المجال أمام شبابهم المتوثب والمتنور ليجرب حظه في إدارة الصراع وقيادة المنسقية بأسلوب جديد، وإرادة جديدة، ورؤية ثاقبة جديدة وبعيدة من أن تتهم بعمى الشيخوخة أو عور الترهل الذي أصاب جميع القيادات السياسية التي ظلت تقود بلدنا منذ فجر "الاستقلال" إلى اليوم؛ دون أن تنجح في تحقيق الحد الأدنى من المطالب الوطنية والاجتماعية الملحة!

ونحن نعلم ونرى كيف أن شباب المعارضة هم وحدهم من ظلوا يدفعون الأثمان الغالية لقرارات قادتهم التي لا تقدم ولا تؤخر: فهم المعتقلون، وهم المطرودون من مدارسهم ووظائفهم، وهم الجرحى والمحتجزون في المستشفيات، وهم القتلى و"الشهداء"، وهم الكاتبون على الجدران، وهم الحارقون أجسادهم بالنيران، وهم المتقدمون الصفوف في كل مسيرة أو مهرجان...

أفلا يستحقون بعد كل هذا أن يتطلعوا لقيادة أحزابهم، أو على الأقل لأن يتداولوا قيادتها مع تلك القيادات المزمنة الداعية للثورة على كل استبداد؛ إلا استبدادها هي بقيادة أحزابها، والمتاجرة بمواقفها، والمغامرة بمصالح؛ وحتى أرواح شبابها؟!!؟

يا دعاة "الثورة" و"الرحيل" إن كنتم صادقين؛ كيف يفوت عليكم أن الثورة تصنع التغييرات الجذرية والكلية، وتطيح بكل القيادات التقليدية وأنتم بعضها، وتصنع واقعا جديدا بالمطلق: قيادة، ومنهجا، ومنطلقا، وغاية، وأسلوبا... أفلا تصدقون؟!

إننا نعتقد جازمين أنه لا أمل؛ لا أمل على الإطلاق في تجاوز أزمتنا الراهنة دون تجديد طبقتنا السياسية القائدة، ولا أمل في تجاوز كبريات مشاكل دولتنا دون تجديد طبقتنا الإدارية القائدة، ولا أمل في التجاوز الكامل والآمن لمشاكلنا الأمنية دون تجديد الطبقة القائدة أمنيا وعسكريا وقضائيا...

أما لماذا؛ فلأننا متفقون جميعا (منذ استقلالنا الصوري) على أننا في بلد يسكنه الفساد ويهلكه.. ونحن نعلم بداهة أنه لا فساد بدون مفسدين، وأن الذين أفسدوا بلدنا وشعبه ما هم إلا قادته ونخبه المستحكمة: الفكرية، والسياسية، والاجتماعية، والعسكرية، والعلمية... أفلا تعقلون؟

اللهم هل بلغت.. الله فاشهد.

23. أغسطس 2012 - 12:58

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا