الطريق إلى القصر الرمادي(1) / عثمان جدو

قبل أشهر من الآن بدأت ملامح الساحة السياسية المستقبلية في التبلور والتشكل، فبعد إعلان الرئيس الحالي عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة؛ وبالتالي احترام الدستور، في لحظة تاريخية لها أسبابها المؤدية ولها صداها المؤثر في ما بعد؛

لم تكن لحظة إعلان الرئيس احترام الدستور وعدم الترشح باللحظة العادية –زمانا ومكانا- فلقد صدر بيان عن رئاسة الجمهورية وهو لحظتها في سفر خارج البلاد!، في لحظة كانت البلاد فيها تشهد حراكا برلمانيا غير مسبوق من ناحية كم النواب المشاركين وتوقيت التحرك والخلفية الراعية للتحرك والمحددة لبوصلة التوجه.

لقد شكل تحرك الكتلة البرلمانية عنصر تشويش كبير داخل فسطاط الموالاة، وشكل امتحانا صعبا وتحد كبير لعناصرها القيادية وتشكيلاتها الداخلية، قبل أن يكون مصدر قلق وتشويش على المعارضة نفسها، فلم يكن هناك أدنى شك أن النواب البرلمانيين يتحركون بانسجام تام وتوجيه مؤثر في أقوى عملية جس نبض عرفها المشهد السياسي منذ استقلال البلاد إلى آخر أيام التنافس السياسي هذه؛

قد يقول قائل أن رئيس البلاد كان كثير التعبير في جل خرجاته الإعلامية عن نيته احترام الدستور وعدم الترشح لمأمورية ثالثة، لكن ذلك لم يكن كافيا للمعارضين بل ظل كثير من الموالين يسبح عكس مقتضياته، تحركهم حسب أدق المصارد أيادي قريبة قوية تشكل الخلفية والحاضنة والقوة *الناعمة*؛ وإن كان البعض ينظر إلى أن تلك القوة ستبقى على حالها وبنفس تأثيرها حتى بعد انتخابات يونيو2019 الجاري!!

إن القائلين بهذا القول؛ المقدمين لهذا الطرح؛ نسوا أو فاتهم، أو لم يدركوا، أو لم يسعهم! أن هناك قوة أخرى وحراك أكبر كان قد امسك أدوات التحكم وأخذ المبادرة، تلك المبادرة التي شرعت تهيئ لمسار سياسي سلمي وتبادل آمن وسلس على السلطة.         

لقد آمنت النخبة الفعالة ذات الحس الوطني الكبير أن خوض غمار المأمورية الثالثة خطر على الجميع، بدءا بالرئيس الحاكم مرورا بالمحيطين به إلى كل الهيئات والمؤسسات وصولا إلى آخر مواطن في أعماق موريتانيا؛ فتحركت بهدوء، وتصدت بحكمة، ووجهت بدقة.

بعد متتالية الأحداث السياسية هذه بدأت اللوحة السياسة في تشكل جديد أكثر وضوحا للصور وبروزا للألوان، وإن كان هناك من كانت الصورة قد اتضحت لهم يوم تعيين المرشح الرئاسي عن النظام وزيرا للدفاع، ولقد كنت ممن حضرت في ذهنهم تلك الصورة بكامل حيثياتها وتجلياتها، فكتبت حينها مقالا بعنوان: *الرئيس القادم واستمرارية النظام الحالي* أما الطيف الكبير فلقد ظل مرتبكا بين عدة سيناريوهات تغذيها خيارات عدة يكون هذا الخيار الحاسم -فيما بعد- والمؤكد عندنا يوم التعيين والتوزير أحد أوجهها فقط.

من اللافت جدا أن تغييرات كبرى حصلت على الخارطة السياسية منذ التأكد من أن الرئيس القادم ليس هو الرئيس الحالي؛ حيث بدأت حمى الحراك السياسي تشهد أعراضا جديدة، فكانت الانسحابات من المعارضة إلى الموالاة حديث الساعة ومحور أحداث اليوم، وكان المرشح عن النظام في ثوب آخر أكبر من النظام نفسه؛ حتى أطلق عليه البعض مرشح الإجماع الوطني، ليس هذا المرشح وحيدا في الساحة السياسية؛ لكنه قد يكون فريدا في حلبة التنافس الرئاسي... هناك منافسون كثر، يشكل بعضهم الوجهة السياسية المفضلة عند كثير من الناخبين، فمنهم من سمي مرشح التغيير المدني، التف حوله طيف سياسي كبير وحظي مؤخرا بدعم كبير من إحدى الإمبراطوريات المالية الشهيرة، ومنهم من يسميه أنصاره مرشح الإنقاذ الوطني؛ يرفع شعار الدفاع عن حقوق المهمشين والمطحونين وضحايا مخلفات الاسترقاق، ومنهم من يمثل صوت المعارضة الراديكالية؛ تلك المعارضة التي عانت من النزيف أكثر من غيرها، وشكل مرشح الإجماع الوطني الوجهة المفضلة للمغادرين منها ومن غيرها وحضن الاستقطاب الآمن لهم جميعا، ومن هؤلاء المرشحين من يقدم نفسه كصوت للشباب ومنهم من يقدم نفسه عن جهات وفئات أخرى...

 

يتواصل

 

 

10. يونيو 2019 - 11:52

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا