ابد أن أهنئ – بادئ ذي بدء- جميع المترشحين، على نيلهم مصداقية قبول الترشح، لأهم مســؤولية في الدولة. متحدثا في البداية في هذا المقال عن غزواني وبوبكر، باعتبارهما –من وجهة نظري- وجهين لنظامين متصارعين، منقلِب ومنقلَب عليه، على أن أعود –إن تيسر ذلك إن شاء الله- للحديث عن المرشحين الآخرين.
فبالنسبة للمترشح محمد بن الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني، فليس لدي كثير أضيفه للمقال الذي أوضحت فيه وجهة نظري، حول ترشُّحِه لرئاسة الجمهورية. وألقيته في الساحة السياسية التي كانت إلى ذلك الوقت، شديدة الالتباس والغموض(في 28-11-2018) وتمنيت فيه ترشيحه، لأسباب عدّدتها، وذكرت من بينها قدراته المتعددة، ومواهبه المفرطة، إضافة إلى تاريخ مهني ناصع، في مناخ ملطّخ بالفساد، مشحون بالتوترات الاجتماعية، والصراعات المتنوعة. إذ لم تعالج يداه النظيفتان في السابق، أي ملف وطني-لا مالي ولا سياسي -غير ملف الأمن الحدودي. وقد أبدع فيه، وأجاد بحزم سديد، وصمت حكيم، يشهد عليهما الجميع.
وقد دلّ التدفق الشعبي والنخبوي نحوه،على صدق ما قلته. وهو التدفق الذي أطلقت عليه نيران صديقة، أنه عــام الوفود. لذا يكاد المحللون يجمعون على فوزه في الشوط الأول بنسبة مريحة إذا أتقن القائمون على الأمر استخدام الوسائل المتاحة، وتحمل المعارضون الوافدون عبء التنسيق مع من لا يعرفون، وتجاوز المغاضبون أخطاء الحملات الشكلية، وأعرض المتخوفون عن تضليل المضللين، وفبركة المفبركين.
أما بالنسبة للمترشح السيد سيدي محمد ولد بوبكر، فإنه مرشح جدي، له قدرات مهنية معروفة، وأخلاق شخصية عالية، لا تخلو صحيفة سوابقه من انتماءات حركية خجولة، تـلُـفُّها طبيعة مخزنية منضبطة، وبيئة أمنية حذرة. تمكّن بحذاقة ماهرة، ومخاتلة كيِّسة، وانتماءات مزدوجة، من الصعود المبكِّر إلى الهرمين المالي والسياسي، في عِزِّ الأحكام الفردية، المتلاحقة والانقلابات العسكرية المتتالية، والقيادات المتصارعة، والأمزجة الشخصية المتنافرة، منذ عهد الرئيس الأسبق المقدم محمد خونه ولد هيداله، صعودا مع العقيد معاوية ولد سيد أحمد الطايع، وانتهاءً بمدير أمنه، وأخلص ندمائه، العقيد اعل ولد محمد فال رحمة الله علينا وعليه.
هذا التناغم المفرط، والانسجام المخلص، مع الانقلابات العسكرية المتلاحقة، ذات التوجهات المتباعدة، والمواقف السياسية المتناقضة، أبان عن ذكاءٍ بالغ في التكيف، وقدرة شديدة على التلطف، سيما وأن صاحبه بحكم تقلُّبه بين كل مواقع القيادة، في نظام العقيد معاوية ولد سيد أحمد الطائع، كقائد للحكومة، ورئيس للحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي، ووزير أمين عام لرئاسة الجمهورية، ووزير مدير لديوان رئيس الجمهورية، كان شاهدا على الجانب الآخر من حكم العقيد معاوية ولد سيد أحمد الطايع، كمحنة المواطنين الأفارقة، وتصفيات العسكريين البعثيين، و الإقالات الجماعية للإداريين الناصريين، والتطبيع مع الإسرائيليين. وقد يكون ثاني اثنين في الاطلاع على أسرار تلك الحقبة، وخفايا تلك المدة. لهذا يرى كثير من المؤرخين الاجتماعيين، و المحللين السياسيين، انتهاء صلاحيته السياسية، وتلف خبرته الإدارية، جراء تعدد الاستخدامات، واختلاف الاغراض والمهمات.
وقد يكون هذا من أهم الأسباب، التي ساعدت، على انشطار بعض القوى السياسية، التي اتخذت قرارا بدعمه، حيث هاجر منها عنه لامعون معروفون إلى مرشحين آخرين. بل إنّ بعض المطلعين يرى أن من حبسهم الانضباط الحزبي على البقاء في معسكره، والسير بمحاذاة حملته، مصرون على عدم التصويت له، معتبرين أنه شارك –وإن بصمت- فيما تعرضوا له من الأذى. وأنه كان الآلة الفنية، والمكينة الإدارية، للخيارات السياسية، والقرارات الإدارية، التي مسهم الأذى على أساسها، أيام ألقه السياسي، وتموقعه الإداري. مرجعين شعار التغيير المرفوع في حملته، إلى شعار سابق للحملة الأخيرة لولد الطايع وهو «التغيير في ظل الاستمرار»
وعلى أية حال، فالذي أرى-والله أعلم- أنه كان على صواب في ترشحه ، لما في ذلك من ترسيخ للديمقراطية الموريتانية، وتنشيط للحملة الانتخابية، وتنويع لأنشطة سيرته الذاتية.
والله ولي التوفيق وهو الهادي إلى سواء الطريق