"في انتظار غودو" مسرحية للشاعر الإيرلندي"ساموئيلبيكيت" مؤسس المسرح العبثي..شخوصها ينتظرون أملا يلوح في الأفق لكنهم لا يعرفونما هو، أهو الفرح أم السعادة، أم أنه الموت، أو الفراغ، أو اللاجدوى..ورغم ملكة الانتظار العبثي التي جسدها أبطال المسرحية، فإن "غودو" لم يعد أبداحتى مات "بيكيت".
لا شيء يوازي مثل هذه العبثية سوى الأمل الممزوج باليأس لدى الموريتانيين الذينيلعبون الدور الأبرز في مسرحيات التحول الديمقراطي وهي أشبه ما تكون بالنفاق السياسي لأنها في جميع حالاتها لا تستقيم ولا تتأتى دون توفر آليات ثلاث: النظام والطبقة السياسيةوالجمهور. للنفاق السياسي مظاهر عديدة لعل أبرزها تحول المثقفين والمبدعين إلى حملة مباخر، هدفهم تلميع صورة النظام وقلب الحقائق كمن يريد أن يغطي عين الشمس بغربال، فلا يهمهم ما يحدث في الوطن، إلى أين يسير، إنما تهمهم مصالحهم الشخصية فقط لا غير. لا يعرف هؤلاء أن الخطأ في حق الأوطان كالجرم، لا يسقط بالتقادم، وفي تاريخ الدولة الموريتانية هناك عدة أخطاء لا يمكن أن أجملها لكنها تتقارب في حجمها ومدى تأثيرها؛ أبرزها توريط الدولة الوليدة في حرب لا ناقة لها فيها ولاجمل، وقد اعترف الرئيس الأب بخطيئته لاحقا، ثم الانقلاب اللعنة الذي جعلت منه النخب العسكرية سنة غير حميدة، احتكرت بموجبها السلطة منذ 1978، ولا زلنا حتى اليوم نعيش الخطأ لأن الكولونيل لم يكن لديه من يصدقه فاعتقد واهما أن الخير "جانه بمجيئه".
***
قبل وفاته بسبعة أيام أنهى سيمون بوليفار، بطل أمريكا اللاتينية، إملاء رغباته الأخيرة، ورفض الأخذ بنصيحة طبيبه الشخصي الذي طلب منه أداء طقوس الاعتراف، وقال له صارخاً: ما هذا؟.. هل حالتي سيئة الى الحد الذي يجعلك تطلب مني الوصية والاعتراف؟ شاخ النظام الهجين ولم يعترف بأخطائه عندما حد الحريات واعتقل الدعاة وحاول الرئيس ولد الطايع أن يصبغ فترة حكمه بمسوح الديمقراطية التي لم تكن هبة، حاول أن يصنعها ففشل لأن الديمقراطية تؤسس ولا تصنع، كان وفيا لثقافة الفوضى التي ورثها ـ رغم مدنيته ـ من المحيط، الخيمة والصحراء والأفق اللامحدود. وكما يقول المثل الفرنسي من أراد قتل حيوانه اتهمه بالكلب، اتهم ولد الطايع من قبل أقرب مقربيه بالفساد وارتهان البلاد لقوى ومصالح خارجية، رغم مشاركتهم ومسؤوليتهم في جرم ارتكبه،لكن الانقلاب كان مبررا على الأقل لدى خصومه، الذين سيصبحون لاحقا خصوم الجميع. اختارت البلاد لأول مرة رئيسا مدنيا لم يرتدى قط البذلة العسكرية ،كان أقصى طموحه أن يكون عضوا في مجلس الشيوخ، فجعله صانع الملوك ملكا قبل أن يختار المنصب لنفسه، كان عضوا في التنظيم الدولي للحركة الصوفية، لكنه بدى زاهدا في الحكم، عندما عجزعن مجاراة شقيقه الرئيس "مرسي" عضو التنظيم الدولي للإخوان، ورغم فشله في عزل جنرالاتنا كُتبت له حسنة المحاولة، نام ذات ليلة ورأى فيما يرى النائم أنه كامل الصلاحيات، يقيل ويعين، يحيي ويميت بإذن الله، لكن "الأحنف"، أجهض حلمه ولم يكن كما توقع. مرة أخرى سارعت نخبنا إلى ارتكاب نفس الخطأ صفقت وزمرت لحركة "التصحيح"التي هي في المحصلة انقلاب على رئيس منتخب، حُصِرت عيوبه في عمره، وعجزه، وهو بالفعل أمر يترتب عليه فعل ما،حددت آلياته دستوريا، وليس بطبيعة الحال انقلابا عسكريا، والمفارقة هي أن الرأي العام فوجئ بنفس النخب تبارك ردة الفعل، وتدخل في كنفها وهي نفسها اليوم التي تطالب صاغرة برحيل الأحنف، لأنه لم يشركها في السلطة ولم تحصل على حصتها من الكعكة. ليس عيبا أن يعترف ساستنا بأخطائهم فها هو الكاتب الفرنسي لوك ماري يحصر أخطاء القادة الأوروبيون في كتاب أسماه "أسوأ القرارات في التاريخ" ، تناول أكثر من مائة قرار خاطئ، اتخذه كبار السياسيين والعسكريين؛ كإنشاء خط ماجينو الدفاعي في فرنسا قبل الحرب العالمية الثانية، ومعركة روسيا، وحملة ووترلو، ومؤتمر يالطا والحرب في أفغانستان.
لكن ساستنا مع الأسف لا يعترفون بأخطائهم ولو قدر لهم ذلك لاعترفوامبكرين أن الهدف الاستراتيجي للأحنف ليس التصحيح بل الخلود جينياعلى كرسي مهترئ ولسان حاله يقول أنا ومن بعدي الطوفان.
يتواصل