يرحل كما كان آباؤه يرحلون!/عبدالله حرمة الله

altتناغم صبر الإنسان وحجم طموحه مع هذه الأرض المباركة، مطوعا جغرافية صحاري الظمأ بذئابها المفترسة، وليلها الداجي لاحتضان "الذاكرة المعرفية" لضفتي كوثر الساحل المتخم بتنوع الحضارات. على هذه الأرض، أورث الأسلاف قيم نبل الأبجدية وحب العلم واحترام المشتغلين به.. وولع الأرواح بسحر الحرف وبهاء نطقه!

بعيدا عن "الحتميات السخيفة" لجيل إيديولوجيا/الخردوات و "أدب" الرسائل النصية على الموبايل، كان لأهل المعرفة على هذا الأديم احترام بحجم جمالية طموحهم لكرامة الإنسان المعتنق لأجمل طقوس مملكة العقل.

في ممرات جنة العقل ذبلت الورود وتعودت البراعم أن تدمع كلما تناثرت فسيفساء الحكمة التي ارتوت من رحيقها أمم الصحراء الساحلية.

إن اختفاء جسد العبقري محمد ولد مولود ولد داداه من بيته المطل على ساحة "القدس" بأحد أحياء العاصمة الشمالية؛ كدر أمة افتقدت أخلاق التقوى وورع العقل، وجمال الروح وثراء العمل! لقد وهب الراحل حياته الدالقة لمداد العقل والإنصاف، لصقل مرجعية الإنسان بهدوء معرفي يسموا على صخب إعلام اليوم.

فبعد احتساء الطبق الممتلئ للعلوم الإنسانية بباريس المنتصرة، عاد أول طالب موريتاني بالجامعات الفرنسية، ليبقي بحنكته وذكائه و معرفته الراسخة على نقطة "ذئبنا" التي جسدت سيادة الجمهورية الإسلامية الموريتانية.

يعود الفضل إلى المغفور له، محمد ولد مولود ولد داداه في كسر حواجز "التنافر الجهوي" بين أهل ولايات الوطن الموريتاني، خصوصا الولايات الشرقية اتي كان الاستعمار قد مهد لانفصالها عن "اتراب البيظان"، كما حلم بها الراحل دون أي بعد إقصائي!

خنقت السياسة الإداري والدبلوماسي ورجل القرار، ليرحل ومكتبته النادرة إلى "عين السلامة" التي احتضنت نبوغه الأول.

فطفق مذياعه القديم يروي عليه في أوقات فراغه القليلة مسيرة العالم بعد أن أودع ضجيج المدينة ربطة عنقه الأنيقة والمحفظة الجلدية لملفاته الإدارية.

أعاد حركية قوافل طلاب العلم إلى مرابض أجداده، ليستعيد سر سعادته بعد إكراهات العمل الحكومي الجامد!

نلت شرف الصلاة على جنازته الطاهرة وروحي ممتلئة حزنا على الرجل/ الإنسان، لكني وجدت عزائي في أنين البروفسور محمد عالي شريف ودموع المؤرخ محمدو ولد محذن في الصفوف الأمامية خلف ذكرى رجل وفق في انتزاع حب أهل العقول من "مجتمع" قليل البكاء. اللهم ارحمه واغفر له واعف عنه وعافيه..

إنا لله وإنا إليه راجعون.

8. سبتمبر 2012 - 22:39

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا