في المقال السابق والذي حمل نفس العنوان؛ حاولنا التطرق للأحداث التي سبقت الحملة الانتخابية ووصلنا في ذات الحديث إلى مفاتيحها الأولى من خلال تقديم المرشحين لأنفسهم في خطاباتهم وخرجاتهم في بداية الحملة الانتخابية ..
نصل في هذا المقال إلى الحديث عن أبرز النقاط التي ميزت خطاب المرشحين عن بعضهم البعض، بدءا بالترتيب على الوثيقة الانتخابية؛
من اللافت أنه بالإجمال حصل تطور كبير في الخطاب السياسي، حيث اختفى تقريبا ذلك الخطاب المتشنج وتراجعت الإساءات اللفظية التي سجلت في حملات سابقة، فلقد أصبح أغلب المرشحين يحاول التركيز على تقديم نقاط إيجابية، تكون له مكمن قوة وعامل جذب، وعنصر شد إليه، لا أداة تنفير، أو نقطة توتير أو طرد..
وبدءا بالمرشح محمد ولد الشيخ محمد أحمد الغزواني، نلاحظ أنه ركز في خطاباته على نقاط هامة جدا ومحاور حساسة، لامست في مجملها شغاف القلب؛ لدى كثير من المتتبعين لأحداث الحملة الانتخابية بواقعية وتجرد، ومن الجلي أن وتر التعليم الذي عزف عليه المرشح بحكمة واقتدار وعقلانية؛ يكفي للتوقف والاستئناس، لقد تحدث المرشح عن زيادة الإنفاق على التعليم حتى يصل 20% وهذا في حد ذاته إنجاز، فمضاعفة الإنفاق على التعليم من أهم الخطوات نحو جعله الأداة الفعالة لنهضة الأمة، فبدون إصلاح التعليم؛ لا استقامة للدولة ولا بقاء لها ولا تطلع لازدهار ولا انسجام ولا نماء، تحدث الرجل عن نقاط ومجالات كثيرة لكننا نكتفي بقليل الأمثلة، إنصافا للمرشحين الآخرين، وتجنبا للإطالة المملة.
أما المرشح سيدي محمد ولد بوبكر فقد تحدث في غير ما خطاب عن معرفته العميقة بالشعب الموريتاني ومكامن الخلل البنيوي الذي يعاني منه، والذي يسبب له المعاناة رغم كون البلاد تزخر بالخيرات ووافر المقدرات، وما فتئ يجدد تذكير الناخبين بقدرته على إخراجهم من الجحيم المعاش إلى الفردوس الذي يحمله لهم مع حصول التغيير، الذي يؤكد لهم أنه هو سبيل النماء والتعمير.. الجديد في خطاب الرجل هو إعلانه أنه ليس مرشح حزب ولا جهة، وهو الإعلان الذي فهمه البعض في سياق عادي، وذهب به البعض الآخر إلى سرعة في الانسلاخ والتنكر.
المرشح بيرام الداه أعبيد كانت خطاباته في هذه الحملة مختلفة تماما عن خطاباته السابقة من حيث اشتمال خطاباته الماضية على محتويات بغيضة منفرة لأغلب الموريتانيين، أما خطاباته الحالية فكانت أكثر رزانة وهدوءا وشمولية، وطبعا يُعدُّ من المرشحين الذين وفقوا في تحسين صورتهم من خلال خطاباتهم، ولأول مرة يُلاحظ بشكل جلي تركيزه في خطابه على اللحمة الوطنية وضرورة الالتفاف حول ما يجمع ولا يفرق وإمكانيته تحقيق ذلك حال فوزه.. تحدث كثيرا عن النهب والمحسوبية –حسب تعبيره- ورفع شعار الدفاع عن المستضعفين والمهمشين.
أما المرشح ولد مولود، الذي يمثل المعارضة الصرفة، فقد كان خطابه كما كان متوقعا؛ منددا بالحكم القائم واصفا إياه بغير المدني والمبدد لمقدرات الدولة، والمشكل لاستمرار ذات النهج الأحادي الذي عانت منه الدولة وتعاني منذ عقود، مبينا في ذات الوقت أن الخيرات التي حبا الله بها هذه البلاد لا يعكسها واقع المواطنين الذين يرزحون في وحل التردي والمعاناة والتهميش، واعدا بتغيير جذري وشامل حال انتخابه، وانتشال البلاد من الضياع.
أما بالنسبة لكان حاميدو بابا، المعارض هو الآخر، كان خطابه يحمل نداء المعارضة في كثير من تجلياته، بفعل تموقعه هناك؛ لكن تأثيره وصداه تأثر ربما للمشهد الذي ظل يلازم الرجل في ظهوره الإعلامي والذي يظهره في الزاوية، بالتفاف ومناصرة شبه أحادية، وهو ما يعني ضيق الدائرة، ومحدودية التأثير والتفاعل المنتظر.
وأخيرا المرشح ولد الوافي الذي عزف كثيرا على وتر مناشدة الشباب واستجاشة حسهم الحماسي المرهف.. اتخذ من الأسواق منصة في استغلال ذكي للموقع والجمهرة، وامتطى الاستفادة من تموقع القرى والأرياف على جنبات الطريق لصالحه وحاول إيصال خطابه إليهم ومنهم إلى غيرهم، وعد بتحقيق الأمل المنشود حال نجاحه، مطالبا بالتصويت له بكثرة، بوصفه الخيار الأنسب لتلبية طموح الشباب، ورفاه وإسعاد المواطن.
يتواصل..