من الغريب أن كافة الوزارات والإدارات ، والمؤسسات مكتظة ، وممتلئية بمايسمى بالمستشارين القانونيين والإداريين ، ومع ذلك في كل إعلان عن مسابقة- تابعة لأي وزارة مهما كانت - يفاجئنا إعلان اللجنة الوطنية للمسابقات ببعض العيوب المشينة ، و الأخطاء التي لاتغتفر ، وغالبا ما لاتتراجع عنها حتى ولو أحدثت ضجة كبرى ، وأثارت حافظة الرأي العام ، المتمثل في صفوف حاملي الشهادات من الشباب العاطل عن العمل ، والذي كان عليها أن تحترم مشاعرهم ، وتراعي نفسياتهم ، وتتفهم ظروفهم .
فكان حري بأي وزارة تريد أن تقدم طلبا لاكتتاب ماتحتاجه من كادر بشري أن يكون متكامل العناصر ، ومدروسا على أسس قانونية انطلاقا مما يحدده النظام الداخلي لأي عنصر مطلوب ، ويكون الأمر ضروريا إذا كان متعلقا بجانب تحديد الجهة المختصة بالإشراف على المسابقة ، وتحديد السن المطلوبة للمترشح ، والشهادة المنصوص عليها ، وطبيعة عمله والتخصصات المستهدفة فيه ، الأمر الذي لم يراعى ؛ بل يختلف في كل مرة حتي في الصنف الواحد من المسابقات ، وما إعلان مسابقة القضاة في السنة الماضية مقارنة بالمسابقة الحالية عنا ببعيد .
وإذا لم تقم الوزارة المعنية بذلك - كما يقع دائما - فعلى اللجنة أن ترفض ذلك الطلب ؛ لأنها حقيقة لايتناسب معها الوقوع في مثل هذه الأخطاء وقبولها ؛ بل وتمريرها بتلك الطريقة الهزلية .
فمنذ أسبوعين أعلنت اللجنة الوطنية للمسابقات عن تنظيم المسابقة الكبرى - على حد تعبيرها - وقد شابت إعلانها بعض الأخطاء ، وكان الجميع يتوقع إعادة تصحيحها من طرف اللجنة وينتظره بفارغ الصبر ، ولكن طال الانتظار دون جدوى ، مما يلزم الكل ببيان وتوضيح تلك الأخطاء ، والملاحظات العابرة ؛ حيث لفت انتباهي أن مايتعلق منها بالتكوين في المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء – وإن كانت كارثة تحديد السن عمت بلواها الجميع باستثناء القضاة - جاء بطريقة غير مناسبة ولا منصفة ؛ بل جائرة ، وغير فنية ، فغالبية مواد المسابقة على اختلاف أصنافها ، وأنواعها ، وتخصصاتها اشترطوا فيها مع مادة التخصص لغة ثانية ، الأمر الذي فرض علينا محاولة إبداء بعض الملاحظات العامة الواردة على ذلك الإعلان، والتي منها مايتعلق بالشكل ، ومنها مايمس المضمون :
الملاحظة الأولى : أن تبني اللجنةالوطنية للمسابقات لتنظيم مسابقة القضاة على وجه الخصوص أمر مخالف للقانون ؛ لأن النظام الأساسي للقضاء حدد لجنة القضاة مسبقا ، فقد نص في المادة 23- 4 الجديدة : (من الأمر القانوني رقم 2006 – 016 الصادر بتاريخ 12 يوليو 2006 المتضمن تعديل بعض مقتضيات القانون النظام رقم 012 -94 الصادر بتاريخ 17 فبراير 1994 المتضمن النظام الأساسي للقضاء ) على أن اللجنة تتكون من :
أ - رئيس المحكمة العليا ..... رئيسا .
ب – المدعي العام لدى المحكمة العليا .....عضوا .
ج – ممثل عن وزارة العدل .....عضوا .
د – المفتش العام للإدارة القضائية والسجون ..... عضوا .
ه – المدير العام للوظيفة للعمومية ..... عضوا .
و – أستاذ قانون من أكثر الأساتذة كفاءة معين من طرف وزير التعليم العالي ..... عضوا .
ز – شخصان لهما كفاءة وتجربة في الشريعة أو القانون يعينهما وزير العدل ..... عضوين .
ح – نقيب الهيئة الوطنية للمحامين .... عضوا .
وقد نص في الفقرة الثامنة من المادة 21 - من نفس الأمر القانوني - أنه يعهد للجنة المقررة في المادة 23 – 4 أدناه باكتتاب الأشخاص المترشحين طبقا لهذه المادة .
من هنا يتضح أن لجنة القضاة مختلفة تماما عن لجنة المسابقات ، وعلى وزارة العدل ومستشاريها أن يتراجعوا عن هذا التصرف المخالف للقانون والمصادم للنص ، وإذا تم التمادي من طرفهم ، فعلى اللجنة أن تحترم نفسها ، ،وتمتلك الشجاعة ، وتعترف بأنها غير مختصة بالأمر إطلاقا .
الملاحظة الثانية : مسألة تحديد سن الترشح بعمر 36 سنة أو 37 سنة مخالفة أخرى صريحة للقانون الذي ينص على 40 سنة كاملة ، وتفسيرذلك النص بأن 40 سنة تحسب بعد انتهاء التكوين تفسير خاطئ أيضا ؛ لأن النص يفسر لصالح الطرف المتضرر ، فلا معنى لمنع وإقصاء 38 و39 و40 سنة فقط من المشاركة في المسابقة ، وإلا فلماذا تتركون السن القانونية للقضاة كاملة دون تفسير لها على غرار ما فعلتم للنص القانوني الآخر ؟
ليس لذلك من تفسير سوى التخبط ، أو ازدواجية المعايير !
الملاحظة الثالثة : أنه ينبغي تحديد المواد ، والبرامج التي تستحسن قراءتها ؛ وخصوصا في العناصر التي يقدم لها بشهادة الباكالوريا على اختلاف شعبها ، مع ضرورة تحديد ذلك في الجميع .
الملاحظة الرابعة : أنه كان ينبغي أن لا تكون هناك لغة ثانية ؛ لأن اللغة الرسمية للبلد اللغة العربية كما نص على ذلك الدستور الموريتاني ، وإذا كان ولابد من لغة أخرى ، فلا يقبل بحال من الأحوال أن تكون الفرنسية ؛ بل يجب أن تكون واحدة من اللغات الوطنية الأخرى مع العلم أن العدل ، والمساواة ، وتكافؤ الفرص أمام الجميع يمكن في إعطاء الخيار للمشاركين ؛ فمن يريد أن يعالج المواضيع بالعربية فله ذلك في جميع المواد ، ومن يريد خيارا غيرها فليأخذ ماشاء .
وفيما يخص مسابقة القضاة كان على اللجنة أن تستعين بعملها في السنة الماضية ؛ بل وتعتمده كمنهج ثابت حيث حددت فيه البرامج ، وألغت اللغة الثانية رغم وقوعها في خطيئة عدم الاختصاص .
ورغم ذلك التجاوز السافر ، والتغاضي عن خطورة الأمر ، وبعد ما تم إجهاض المادة السادسة من الدستور الموريتاني في الكثير من الوزارات ؛ فلا يمكن قبول ذلك في البعض الآخر فوزارة العدل مثلا لايمكن أن تتم فرنستها بهذه الطريقة الوقحة ، فكيف توضع اللغة الثانية في مسابقاتها ، وهي إحدى الوزارات القلائل التي مازالت تحافظ على دستورية لغتها ؟
فكان الأولى والأجدر بهم – كأضعف الإيمان - أن ينتهجوا منهج المدرسة العليا للتعليم ، ومدارس تكوين المعلمين حيث التزموا الصفة التخصصية ، فأساتذة التربية والعربية لم تذكر فيهم لغة ثانية ، وكذلك أساتذة الفرنسية أو الإنكليزية أو غيرهم ، ونفس الشيء وقع في المعلمين .
ومن المعلوم أن المستهدفين بهذه المسابقات – أعني الكتاب ، والقضاة - هم من خريجي كلية العلوم القانونية ، والمعهد العالى للدراسات والبحوث الإسلامية والغالبية الكبرى من طلاب هاتين المؤسستين لا صلة لها باللغة الفرنسية ؛ لأنها لم تكن مادة مقررة أصلا إلا في السنوات الأخيرة تمت إضافة القليل منها في بعض مواد الأولى دون الثانية .
إضافة إلى أن وزارة العدل لايتناسب مع طبيعتها ، وطبيعة عملها حتى الآن إلا أصحاب اللغة العربية حسب العاملين في حقولها .
بعد توضيح تلك الأخطاء ، وبيانها نأمل من الجهات المعنية التعامل مع الموضوع بطرق قانوتية حتى لايستمر الظلم ، ويتعمد الإقصاء !
بقلم : محمد الامين باباه ديداه