إنَّ التحول الديمقراطى وبناء الدولة العصريَّة يحتاج إلى تَحَمُّلِ النخبة المثقفالثقافية والسياسية مسؤليتها تجاه الشعب وخَلْع جلباب المصلحة الضيقة فى إطار القبلية والجهوية والقطيعة معها بل ومحاولة تفكيك النظام القبليّ كإطار سياسي وليس كإطار اجتماعي يُجسد التكافل والتآزر ،فمن الملاحظ أنه كلما كان هناك موسم سياسي فى الدول العربية كلمّا كانت هناك تيارات عكسية تراهن على القبيلة لتَصَدُّرِ المشهد السياسي فى تناقضٍ صارخ مع المؤسسات الحزبية ودورها إن كانت موجودة أصلا مما ينم عن ضعف وهشاشة المؤسسة الحزبية وتنامى الظاهرة القبلية والعرقية والفئوية أحيانا أخرىإن القبيلة إذا كنا واقعيين وواعين بالدولة المدنية المعاصرة يجب أن لا يكون لها حضور في التدبير السياسي للوقائع ولا فى الخطاب النخبوى وأن يكون هناك تجريم لمن يركبون صهوة حصان الشرائحية أو الفئوية أويستغلون إسم القبيلة فى مواسيم الحملات الانتخابية والدعاية الحزبية.وعلى النخبة أن نُطالب وتطمح لبناء نظام سياسي تعددى يمنح المجتمع المدني السلطة ويوفر الجو الملائم لإستنبات الديمقراطية أو الشورى والمشاركة فى فعاليات العمل السياسي والاجتماعي والاقتصادي، بحيث يكون النظام خادما للمجتمع لا أن يكون المجتمع خادماً له وإنما شريكا مؤثرا فى صناعة التنمية ؛ وأن يكون فعلا هو صاحب الكلمة الفصل فى أي انتخابات لا أن يكون المال والنفوذ والضغط هي من يحسم مستقبل الشعب رغما عنه.إن الأنظمة السياسيةالعربية فى أغلبها إن لم تكن كلها خاصة المَلكية منها المستبدة والعسكرية التى فرضت سلطتها بقوة الجيش و استمدت شرعيتها من الترغيب والترهيب ومغازلة المثقف الجائع والسياسي الهلوع هي انظمة فاقدة للشرعية والمصداقية ومستقبلها على كف عفريت واشبه تصوير لها على أنها كالخردة البالية التى تتآكل من داخلهاولن يكون بوسعها أن تصمد طويلا فى وجه قوى التغيير والإصلاح التى تُمليها تحولات المجتمع من الداخل وتفرضها عن غير قناعة ودراية ممارسات السلطة القائمة.إن العاقل من يقرأ التاريخ ويتأمله ويقف عند تجارب وزلات الآخرين ليستفيد منها ،لذلك علينا ونحن أمام انتخابات مصيرية أن نتحلى بالمسؤولية ونتشبع بالثقافة الوطنية العامة المدنية ونُحَكِّم ضمائرنا وعقولنا بعيدا عن العواطف والبرغماتية ونختار كناخبين من نرى أنه الأصلح لقيادة البلاد ،وعلى النظام أيضا أن يقف موقفا محايدا من العملية الانتخابية، موقفا لا لبس فيه وأن يُمهد سير الانتخابات بسلاسة وشفافية وحينها سنعرف مفهوم الديمقراطية ونؤسس لدولة القانون فى ظل نظام جاء بإرادة الشعب وليس بقوة النفوذ والمال والضغط.