منذ ظهور الحركات المتمردة شمال مالي والداعية إلي انفصال منطقة أزواد وتشكيل دولتهم المستقلة والأوضاع هناك لا تبدو مستقرة امنيا ، الشيء الذي حذر منه كل الخبراء الأمنيين الذين أكدوا أن امتدادات هذا الحدث لن تقف عند الحدود المالية على الإطلاق وإنما ستمتد إلي دول
الجوار بشكل مباشر، فبعد فترة قليلة من سيطرة حركة تحرير ازواد على ما يسمى" إقليم ازواد" بالتعاون مع إحدى الحركات الإسلامية المتشددة تم خطف قنصل الجزائر وبعض معاونيه وهو التأثير المباشر المتعلق بالجزائر كإحدى دول الجوار المالي، وليست موريتانيا ببعيدة من ذلك فقد اتهمت وسائل الإعلام المالية النظام الموريتاني بتمويل هذه الحركة الانفصالية وزعزعة الأمن المالي، وهو ما فهم على انه اتهام صريح للنظام بالتدخل في شئون دولة جارة وهو ما تسبب في مضايقات للجالية الموريتانية هناك وان كانت الحكومة الموريتانية نفتها آنئذ.
لم تذهب توقعات المحللين الأمنيين ولا السياسيين سدى في أن أزمة مالي ستتعدى الحدود وسيصيب شررها المتطاير موريتانيا ، فقد كانت حادثة قتل التبليغيين من قبل عناصر يقال إنهم من الجيش المالي الا بداية إرهاصات ذلك التأثير الذي سيكون له ما يعده من تداعيات.
ليس جديدا إذا قلنا أن موريتانيا لديها جالية كبيرة في مالي ، لكن الجديد هو تأثير هذه الأزمة التي قد تمتد جذورها إلى الداخل المالي خصوا إذا ما تعدى التنديد الموريتاني مجال التصريحات المنددة والساخطة إلى مستوى الفعل وهو أمر ربما مستبعد نتيجة التراخي وآنية الأحداث عند المجتمع الموريتاني، فهو شعب تنقصه الروح الوطنية والتعاطي بجدية مع الأمور ، فما دام الرئيس مهتم ب هكذا موضوع فانه سيكون هناك نوع من التعاطي الخجول معه وإذا ما اكتشف أن القضية ليست ذات مردود سياسي أو انتخابي فإنها ستخبو كسابقاتها من القضايا الوطنية.
لقد اتهم النظام الحالي كثيرا بتعريض امن البلاد والمواطنين للخطر وقد حاول تكذيب هذه الاتهامات بشتى الوسائل ، وقد بلغت هذه الاتهامات ذروتها مع ما يقال انه تدخل في الشأن المالي بدعم حركة تحرير ازواد وهو ما نفاه ، إلا ان هذا الاعتداء الاخير على المواطنين الموريتانيين يوحي ان الماليين لم يقتنعوا بهذا النفي الذي قدمه النظام الموريتاني فقتلوا التبليغيين الموريتانيين مقدمين حجج لم تقنع الموريتانيين لحد الآن ،ولكن المسؤولية الكاملة ستكون ملقاة على النظام الموريتاني الذي مافتئ يتدخل في شؤون الدول الداخلية بدعوى محاربة القاعدة في حين ان الدول المعنية نفسها لم تحرك ساكنا في هذا الموضوع.
لن تكون هذه الحادثة هي الأخيرة اذا لم يصلح النظام الموريتاني من سياسته إزاء الأحداث الجارية في مالى والتعاطي معها بحيث يحترم لها خصوصياتها وأراضيها ، اذ لم يحسب التبليغيين الساعين دوما إلى إعلاء كلمة الحق ونشر دين الله تعلى في أصقاع المعمورة ما وجدوا الى ذلك سبيلا لم يتوقعوا ان تطالهم يد الغدر المالية وهم في مهمتهم السامية دوما والساعية الى تبيان نور الهدى، لقد اعتزلوا الحياة السياسية وزهدوا فيها واعتبروها من أدران الدنيا الفانية ولكن أبت السياسة وأدرانها الا ان تلحق بهم وتعيدهم الى ارض الوطن ضحايا لهجمة غادرة من كتيبة من الجيش المالى، ليأتي رأس النظام ليقول ان الحكومة المالية لا تتحمل المسؤولية، فمن يتحمل المسؤولية اذا يا ترى؟
يعرف النظام جيدا ان انعدام الاستقرار في منطقة نحن ضحيتها الأولى هو نتيجة سياسته الفاشلة في دراسة الأمور وتقدير مدى الأخطار التي ستنتج عنها على المدى المنظور وليس ما تناقلته وسائل الإعلام المحلية من هتافات ضد رأس النظام الا دليلا واضحا على فشل السياسات التي ينتهجها هذا النظام. .