يجمع المراقبون على أن السنة التي نمر بها تمثل منعطفا آخر يشكل بداية مرحلة ثالثة ستكون حاسمة في تطورنا الديمقراطي، وهو لا شك منعطف مهم لأنه سيشهد - على الأقل إن شاء الله - أول تناوب سلمي ودستوري على السلطة في بلادنا بين رئيسين منتخبين ويأتي بعد مشاركة كافة ألوان الطيف السياسي في استحقاقات سبتمبر الأخيرة والانتخابات الرئاسية التي نقف على أعتابها، بعد أن بدا جليا للمعارضة إعراض شعبنا العنيد المسالم الصبور والواثق من نفسه عن القفز في المجهول وتراءى لها الحصاد الكارثي للثورات التي حاولت جره لها تأسيا بما حدث في بعض الدول الشقيقة.
ولكي نجنب بلادنا مصيرا مشابها ونخطو خطوات كبيرة إلى الأمام، يتعين علينا في الأغلبية والمعارضة - إن كان لهاتين الكلمتين من معنى في أيامنا هذه - أن نسترجع الذاكرة قليلا في محاولة جدية للاستفادة من أخطاء المرحلتين السابقتين.
يحبذ كثيرون- في هذا الظرف الحساس من تاريخنا - ونعتقد أنهم مصيبون في ذلك - أن نحرص، كل من موقعه، على بناء كتلة تاريخية لضمان نجاحنا في عبور هذا المنعرج.
لقد ظهر مفهوم الكتلة التاريخية مع الفيلسوف الإيطالي انطونيو غرامشي ويعني به اتفاق كافة الفاعلين السياسيين في مرحلة مفصلية من تاريخ بلدهم على أهداف مشتركة تمثل أولوية لدى الجميع وتأجيل الخلافات البينية إلى غاية تحقيق تلك الأهداف.
إن التأجيل المؤقت للمشاريع الذاتية لا يمثل تركا نهائيا لها، وإنما هو تسامٍ عن النقاط الخلافية ونأي عن الصراعات الحدية لتوفير المناخ الملائم لبلوغ الأهداف الكبرى التي تشكل مساحة مشتركة بين كافة الفاعلين السياسيين، خصوصا في المراحل الانتقالية.
ولعل الجميع يتفق الآن على أن تجاوز الصعاب التي تعترض مسارنا الديمقراطي والتي أسلفنا ذكرها في الحلقة السابقة يمثل أولوية كبرى لكافة المهتمين بالشأن العام وأساسا صلبا وضروريا للصرح الذي نطمح لبنائه.
إننا متفائلون بقرب بناء كتلة تاريخية لتحقيق تلك الأهداف بالنظر إلى ما نراه من التفاف وطني حول مرشح الإجماع الوطني السيد محمد الشيخ محمد أحمد الغزواني بعد أن نجحت الأغلبية الحاكمة في الاتفاق عليه كمرشح وحيد وأمّته جماعات من المعارضة متوسمة فيه - لأسباب موضوعية - قدرة تؤهله لتجسيد هذه الكتلة التاريخية على أرض الواقع واستكمال بناء نظام سياسي ديمقراطي يوثق به.
وتختلف دوافع دعم هذا المرشح من فئة إلى أخرى، ومن أهمها في نظرنا:
- فئة تدعمه لمساره الوظيفي وتجربته المهنية المشرّفة ومؤهلاته وخصاله الذاتية وتميزه الكاريزمي من بين المرشحين الآخرين؛ وهو سبب وجيه للدعم.
- فئة أخرى أخرى تسانده لأنها ترى فيه استمرارا لإيجابيات العشرية الأخيرة - لكونه من أبرز من كانوا يديرون الشأن العام بكفاءة مشهودة - وهي إيجابيات ملموسة وكثيرة وعصية على النكران؛ وهذا أيضا سبب لا يقل وجاهة للمساندة.
- فئة ثالثة تؤازره لوضوح أفكاره ورؤاه ولسعيه لبناء جبهة داخلية قوية وللتأسيس لثقافة مراكمة المكاسب واستمرارية الدولة، وهو ما تجلى في برنامجه الانتخابي وخطاب إعلان ترشحه اللذين حرص فيهما على الاعتراف بمساهمة الأجيال السابقة التي حكمت البلاد في بلوغ ما وصلنا إليه اليوم؛ وتلك لعمري دوافع تبرر المؤازرة فعلا.
- فئة رابعة التحقت به مبكرا لخلفيته العسكرية بالنظر للتهديد الذي يمثله محيطنا الإقليمي المضطرب على كيان البلد وأمنه واستقراره وبالنظر أيضا إلى أن المؤسسة العسكرية هي الأكثر تنظيما من بين مؤسسات الدولة وهي درع الوطن وسياجه الحامي وعينه الساهرة دائما من أجل تنام عيون الأطفال والأمهات قريرة مطمئنة وهي من تعودت أن تغرس في عقول منتسبيها معاني نكران الذات والإخلاص للوطن والاستعداد لدفع ضريبة الدم ذودا عن حياضه؛ ومثل من له شرف الانتماء سابقا لهذه المؤسسة مؤتمن فعلا على مقاليد الحكم وحق لهؤلاء الالتحاق به والسعي لتمكينه.
- فئة خامسة تستشعر خطر عدم إعطاء أولوية للتصدي لآثار المظالم التاريخية وإنصاف المغبونين والمهمّشين وتأثير ذلك على الوحدة الوطنية، وهذه الأولوية لا تخطئها العين في كل ظهور إعلامي أو جماهيري للمرشح؛ وذاك بالقطع عامل مهم وموجب للحصول على المساندة والدعم؛
- فئة سادسة - وأنا منها - تدعمه لكل تلك الأسباب وغيرها ولأنها ترى أنه الأقدر على تولي هذه المسؤولية والأكثر للعبور ببلدنا من هذا المنعطف بشكل آمن والأجدر بنيل ثقة الشعب في الشوط الأول بعون الله يوم 22 يونيو 2019، وعملت - على غرار كافة الفئات الأخرى - وستعمل - ما استطاعت إلى ذلك سبيلا - أن تحقق هذا الحلم المشروع ولن يخيب الله ظنها، بقدرته ومشيئته وهو الموفق وعليه التكلان.