في فاتح شهر أغشت القادم (2019) سيتسلم رئيس جديد منتخب مقاليد السلطة التنفيذية في موريتانيا لمدة خمس سنوات قادمة وكما يتطلب المسافر جواز سفر يحتاج رئيس الجمهورية لجواز دستوري يسترشد به في تسيير مقاليد الحكم وتشترط للحصول عليه تأدية اليمين التي توقع على عاتق الحالف مسؤوليات دستورية يجب عليه أن يحفظها ويصونها (1) وحرصا على مراعاة المجتمع للضوابط المدنية يتعين عليه أن يراقب مدى قيام مسؤوليه بواجباتهم ولذلك ارتأيت في هذا المقام، وقبل تبين الرئيس الذي سيفوز بثقة الناخبين، نشر جواز دستوري ينير لرئيس الجمهورية محجة التصرف ويمكنه من استحضار مسؤولياته وفي مستهلها الكليات (2) ومن بعد تأمين تأشيرتها ترد الواجبات ومن آكدها احترام الدولة للمبادئ والحريات الأساسية (3) مع العمل الدائب على تكريس سيادة القانون وفرض احترام قواعده (4) التي تنص على معاملة المواطنين دون تمييز (5).
1. اليمين الدستورية
تنص المادة 29 من دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية على ما يلي:
يتسلم الرئيس المنتخب مهامه فور انقضاء مدة رئاسة سلفه.
يؤدي رئيس الجمهورية قبل تسلم مهامه، اليمين على النحو التالي:
(أقسم بالله العلي العظيم أن أؤدي وظائفي بإخلاص وعلى الوجه الأكمل وأن أزاولها مع مراعاة احترام الدستور وقوانين الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وأن أسهر على مصلحة الشعب الموريتاني وأن أحافظ على استقلال البلاد وسيادتها وعلى وحدة الوطن وحوزته الترابية.
وأقسم بالله العلي العظيم أن لا أتخذ أو أدعم بصورة مباشرة أو غير مباشرة أية مبادرة من شأنها أن تؤدي إلى مراجعة الأحكام الدستورية المتعلقة بمدة مأمورية رئيس الجمهورية وشروط تجديدها الواردة في المادتين 27 و28 من هذا الدستور).
2. المسؤوليات الدستورية الكلية
علاوة على ما تقتضيه اليمين، التي تفرض القيم الدينية والمبادئ الإنسانية احترامها، يتعين على رئيس الجمهورية أن يستحضر مسؤولياته الدستورية الكبرى المكرسة في المادة 24 من الدستور (رئيس الجمهورية هو حامي الدستور وهو الذي يجسد الدولة ويضمن، بوصفه حكما، السير المضطرد والمنتظم للسلطات العمومية) وجلي أن هذه المادة تجعل على عاتق الرجل مسؤوليات شبيهة بمسؤوليات رب البيت وما تتطلبه من رشد ويقظة وحرص على احترام الالتزامات ولعب دوره كحكم وما يتطلبه ذلك من عدم التمييز بين المواطنين على أسس غير موضوعية. ويتطلب تجسيد الدولة أن تكون معاملاتها وفق القانون وأن تمنح امتيازاتها وتبرم عقودها وفق المدونات.
ويتعين التنبيه إلى أن دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية عبارة عن ميثاق مكتوب يتكون من ديباجة ومائة ومادتين (102) وهو موضوع الأمر القانوني رقم 022-91 الصادر بتاريخ 20 يوليو 1991، المنشور في عدد الجريدة الرسمية رقم 763 بتاريخ 30 يوليو 1991 والذي تم تعليق العمل به بفعل انقلاب 03 أغسطس 2005 قبل أن يعاد العمل به بموجب القانون الدستوري رقم 2006-014 بتاريخ 12 يوليو 2006، المنشور في عدد الجريدة الرسمية رقم 1122 بتاريخ 15 يوليو 2006 والذي تمت مراجعة أولا بالقانون الدستوري رقم 2012-015 بتاريخ 20 ابريل 2012 المنشور في عدد الجريدة الرسمية رقم 1262 بتاريخ 30 ابريل 2012 كما تمت مراجعته لاحقا بالقانونين الدستوريين الإستفتائيين رقم 021-2017 و022-2017 الصادرين بتاريخ 15 أغسطس 2017، المنشورين في عدد الجريدة الرسمية رقم 1393 مكرر بتاريخ 15 أغسطس 2017.
ولأن في مقدمة المسؤوليات الدستورية لرئيس الجمهورية السهر على احترام المبادئ والحريات الأساسية في الدولة فمن الوارد التعريج عليها.
3. احترام المبادئ والحريات الأساسية
نص دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية في ديباجته على ما يلي: (يعلن الشعـب الموريتاني على وجه الخصوص الضمان الأكيد للحقوق والمبادئ التالية: حق المساواة، الحريات والحقوق الأساسية للإنسان، حق الملكية، الحريات السياسية والحريات النقابية، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحقوق المتعلقة بالأسرة كخلية أساسية للمجتمع الإسلامي)،
وتضيف المادة 10 من الدستور ما يلي:
(تضمن الدولة لكافة المواطنين الحريات العمومية والفردية وعلى وجه الخصوص:
حرية التنقل والإقامة في جميع أجزاء تراب الجمهورية، حرية دخول التراب الوطني وحرية الخروج منه،
حرية الرأي وحرية التفكير، حرية التعبير، حرية الاجتماع، حرية إنشاء الجمعيات وحرية الانخراط في أية منظمة سياسية ونقابية يختارونها، حرية التجارة والصناعة، حرية الإبداع الفكري والفني والعلمي.
لا تقيد الحرية إلا بالقانون).
ونظرا لأهمية القانون في حياة الدولة فإن من واجب رئيس الجمهورية الذي يجسدها أن يضع فرض احترامه ضمن أولوياته.
4. احترام القانون وفرض احترامه
(القانون هو التعبير الأعلى عن إرادة المجتمع ويجب أن يخضع له الجميع) المادة 4 من الدستور ويعرف القانون فقها بأنه مجموعة القواعد التي تصادق عليها الهيئة التشريعية ويصدرها رئيس الجمهورية وابتداء من تاريخ نشرها من طرف مصالح الحكومة يجب على الجميع احترامها ولا يعذر أحد بجهلها.
وطبقا للمادة 56 من الدستور الموريتاني فإن (إقرار القانون من اختصاص البرلمان) أما مجال القانون فمحدد بموجب المادة 57 ويشمل وضع النظم المتعلقة بمختلف الحقوق من جنسية وملكية وانتخاب وحالة مدنية وأحوال شخصية كما يحدد درجات المحاكم والهيئات القضائية واختصاصاتها وطرق تنفيذ قراراتها ويحدد الجرائم وعقوباتها ويتناول تنظيم الإدارة العامة ونظام المجموعات الإقليمية والضرائب والرسوم الجمركية وطرق تحصيلها وعمل المصارف وسبل تسيير مصالح المياه والكهرباء والصحة والتعليم وحقوق العمال المهنية والنقابية وواجباتهم.
ومما يميز القواعد القانونية أنها عامة ومجردة ولا تميز بين المشمولين بها بناء على أسس ذاتية ولذلك فإن مساواة المواطنين هي السمة الأساسية للقانون.
5. مساواة المواطنين
(تضمن الجمهورية لكافة المواطنين المساواة أمام القانون دون تمييز في الأصل والجنس والمكانة الاجتماعية) الفقرة الثانية من المادة الأولى من الدستور و(يتمتع المواطنون بنفس الحقوق ونفس الواجبات تجاه الأمة. ويساهمون سوية في بناء الوطن ولهم الحق، وفقا لنفس الظروف، في التنمية المستدامة وفي بيئة متوازنة تحترم الصحة) الفقرة الثانية من المادة 19 من الدستور (المواطنون متساوون في أداء الضريبة) المادة 20 من الدستور، و(يحق لكافة المواطنين تقلد المهام والوظائف العمومية دون شروط أخرى سوى تلك التي يحددها القانون) المادة 12 من الدستور و(لا يجوز إخضاع أحد للاسترقاق أو لأي نوع من أنواع تسخير الكائن البشري أو تعريضه للتعذيب أو للمعاملات الأخرى القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة وتشكل هذه الممارسات جرائم ضد الإنسانية ويعاقبها القانون بهذه الصفة) الفقرة الأولى من المادة 13 من الدستور حتى الأجانب لم يهمل الدستور حقوقهم إذ (يتمتع كل أجنبي موجود بصفة شرعية على التراب الوطني، بحماية القانون لشخصه ولممتلكاته) المادة 21 من الدستور.
وعلاوة على الالتزامات الأساسية التي تضمنها الجواز الدستوري، في العناوين الخمسة أعلاه، والتي تخول اجتيازا ناجحا لبوابة القصر الرمادي يحتاج تسيير شؤون الحكم لإرشاد قانوني مستمر كما لم يعد من المستساغ في هذا العصر أن لا تكون لرئاسة جمهورية بوابة ونوافذ إلكترونية تحدث عن أخبارها وتنبئ عن تنظيمها ولذلك يتعين على رئيس الجمهورية المنتخب مراجعة الترتيبات المنظمة لرئاسة الجمهورية (المرسوم رقم 099-2009 الصادر بتاريخ 12 أغشت 2009) كما يتعين عليه إعادة النظر في تنظيم حكومته المرتقبة لإفساح المجال أمام حضور قانوني فعال يوجه أنشطة السلطة ويكفل توفير سند قانوني كفيل بمنح الثقة لتصرفات الدولة عل ذلك يسهم في تغيير صورة موريتانيا التي لا يزال الكثيرون يعتبرونها فضاء سيبة لا يحكمه شرع ولا قانون وهي لعمري صورة نمطية سيئة لا يتأتى تغييرها إلا بالاعتماد على كفاءات قوية وأمينة نأمل أن تتحقق خطوتها الأولى بانتخاب رئيس الجمهورية اليوم أو بعد أسبوعين.
المحامي/ محمد سيدي عبد الرحمن إبراهيم
حرر بتاريخ 22 يونيو 2019