وعادت حليمة..! / محمدو ولد البخاري عابدين

قبل عقد من الآن جرت انتخابات 2009 الرئاسية على أساس اتفاق داكار الذي كانت بنوده تقضى بإجراء انتخابات رئاسية تعيد البلاد للوضع الدستوري الطبيعي، ووضع ذلك الاتفاق الآليات التي ستجري بها تلك الانتخابات من حيث مشاركة المعارضة في لجنة الانتخابات ( رئاسة اللجنة وأغلبية أعضائها ) وفي الحكومة وخاصة الحقائب ذات العلاقة المباشرة بتنظيم الانتخابات، على أن يعترف الجميع بنتائج الانتخابات كشرط لفتح حوار بين الفرقاء.

جرت تلك الانتخابات التي فاز فيها الرئيس محمد ولد عبد العزيز في الشوط الأول وأقرها وزير داخلية المعارضة آنذاك حيث كان لا يزال لوزارة الداخلية أصبع أو اثنان في تنظيم الانتخابات وإعلان نتائجها إلى جانب اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، وأعلنها ذلك الوزير يومها أنه لم يتوصل لما يُمَكنه من الطعن في النتائج.

سلَّم قادة المعارضة المشاركون في تلك الانتخابات من صلاة الفجر وأعلنوا رفضهم لنتائجها دون تقديم أية أدلة على تزويرها أو التلاعب بنتائجها إلا ما كان من الحديث عن " الباء المجنحة " التي أصبحت في ما بعد مدعاة للسخرية والتندر، وشذ يومها أحد أحزاب المعارضة المشاركة بمرشح في تلك الانتخابات عن رفض بقية القادة للنتائج، معلنا أنه لم يتوصل هو الآخر لما يمكنه من الطعن فيها وهو حزب " تواصل " الذي سنجد أنه قائده ومرشحه آنذاك لتلك الرئاسيات ينشر اليوم تدوينة يعتبر فيها الانتخابات الرئاسية الحالية من أحسن الانتخابات التي جرت في البلاد، وأن نتائجها المعلنة من طرف لجنة الانتخابات مطابقة لما بحوزة مرشحي المعارضة من محاضر ونتائج، في حين يتخندق نفس الحزب هذه المرة في صفوف الرافضين لنتائجها رغم أنها من أحسن ما عرفته البلاد من انتخابات بحسب تدوينة الرجل القريب جدا من الحزب!!

إذن، وبرفض قادة المعارضة لنتائج رئاسيات 2009 انتفى شرط فتح الحوار اللاحق لها، ليس الأن الاتفاق هو من يقول ذلك بل المنطق أيضا.. فأنت عندما ترفض نتائج انتخابات فإنك تلقائيا ترفض شرعية من جاءت به للسلطة، وإذا قبل من جاءت به تلك الانتخابات للسلطة الحوار معك، كما حدث بعد ذلك وقبل الرئيس محمد ولد عبد العزيز الحوار مع المعارضة التي رفضت نتائج الانتخابات التي أوصلته للسلطة، فإنك هنا إما تراجعت عن رفضك لتلك النتائج واعترفت بشرعية من جاءت به، أو حاورت من لا يتمتع بالشرعية!

اليوم تعود حليمة لعادتها القديمة في الرفض ( الموقف الوحيد المتمكنة من التوافق عليه عبر تاريخها )، فيرفض قادة المعارضة والمترشحون لرئاسيات 2019 نتائجها مع المطالبة بالحوار، وذلك بعد أن وقع هؤلاء المترشحون غداة انطلاق الحملة الانتخابية على وثيقة تقضى بالاعتراف بالنتائج وتهنئة المترشح الفائز ما لم تحدث تجاوزات كبيرة كما قالوا.. ولم تكن التجاوزات التي حدثت غير كبيرة فقط بل كانت محدودة وشكلية بشهادة كل المراقبين بمن فيهم من هم أشد حرصا، ربما من المترشحين أنفسهم، على التشكيك في النتائج والاتهامات بالتزوير..! ولنا أن نتساءل لمن يوجه الرافضون للنتائج طلب الحوار؟ الأكيد أن الطلب ليس موجها للرئيس المنتهية ولايته محمد ولد عبد العزيز، أولا لأنه لم يبق من فترة حكمه ما يكفي لمجرد دراسة هذه المطالبة والرد عليها أحرى الاستجابة لها والدخول في حوار، وثانيا لأنه أي الرئيس محمد ولد عبد العزيز دعا خلال سنوات حكمه العشر لحوارات جرى منها حواران  ستنتي 2012 و2016 وهي الحوارات التي انبثق عنها كل ما تتمتع به المنظومة الانتخابية اليوم من تحسينات وضمانات، لكن المعارضة ظلت تعتبر تلك الحوارات " مسرحيات " فأعلن الرئيس أنها مادامت مسرحيات فإنه ليس مستعدا لمسرحيات جديدة!

وإذا كانت المطالبة بالحوار ليست موجهة للرئيس المنتهية ولايته، فإنها أيضا ليست موجهة للرئيس المنتخب، أولا لأنه لما يستلم مهامه كرئيس للجمهورية بعد، وثانيا وهو الأهم فلأنه " فاقد للشرعية " هو الآخر ما دام غير معترف بنتائج الانتخابات التي من المفترض أنها هي ما يستمد منها شرعيته.. فمع من سيتم الحوار وعلى ماذا سيكون!

" الباء المجنحة " كطعن ساذج في نتائج رئاسيات 2009 سنقابلها مع الطعن في النتائج هذه المرة والذي لا يقل سذاجة، فأهم مأخذ لمرشحي المعارضة على هذه الانتخابات هو إعلان فوز الفائز فيها قبل إعلانه من طرف لجنة الانتخابات، وهو أمر طبيعي علاوة على كونه ليس سابقة كذلك، فكونه طبيعي فلأن موريتانيا، من حيث عدد السكان، ليست الصين ولا الهند ولا حتى مالي أو السنغال حيث يشارك الملايين في الانتخابات في عشرات الدوائر وآلاف مكاتب التصويت، بينما في انتخاباتنا كلهم 9.80.000 مصوت في أقل من 4000 مكتب يصوت بكل مكتب منها 300 مصوت كمعدل، وفرز وعد نتائج هذا النوع من الانتخابات سيكون في غاية السهولة.. وللمرشح الفائز ممثل في كل مكتب يمد فريق حملته عن طريق الهاتف بعدد المصوتين في كل مكتب وما حصل عليه المترشح من هذه الأصوات، وباستخدام تقنية ( ZOOM ) بالحاسوب يتم جمع النتائج وقسمتها على مجموع عدد المصوتين ثم ضربها في 100 لتظهر النتائج النهائية وما إذا كانت كافية للحسم!

أما كونها لسيت سابقة فلأن إعلان فوز الرئيس محمد ولد عبد العزيز في رئسيات 2009 أعلن بنفس الطريقة قبل إعلانه من طرف لجنة الانتخابات ومن طرف وزارة الداخلية المعنية آنذاك بإعلان النتائج، فما إن انتصفت ليلة يوم الاقتراع حتى بدأ ممثلو المترشح يمدون فريق حملته بنتائجه، لتتكامل النتائج قبل الساعة الرابعة فجرا ويعلن الرئيس فوزه المؤكد، علما أن عدد المصوتين وعدد مكاتب التصويت في تلك الرئاسيات كان أقل من اليوم..

أيضا لا يجتمع قادة المعارضة الرافضين لنتائج هذه الرئاسيات إلا وتحدثوا عن ما يسمونه عدم ملاءمة النتائج التي حصدوها مع حجم مهرجاناتهم خلال الحملة الانتخابية، وهو ما يذكرنا بالطالب الذي يقول ويقول ذووه إنه سهر الليالي في المراجعة والتحضير ومع ذلك لم ينجح في الامتحان، ليريهم المدرس أوراق امتحاناته فكيتشفوا أنه لم يجب على كل الأسئلة بشكل صحيح، وأن المشكلة كانت فيه لا في المدرس.. وإذ كان حجم المهرجانات كافيا لحسم النتائج فالأولى أن يكون المترشح محمد ولد الغزواني هو الفائز بدون منازع وبنسبة أكبر من النسبة التي فاز بها بالنظر إلى حجم مهرجاناته، ليس فقط في عواصم الولايات التي اقتصر منافسوه على زيارتها وإقامة مهرجانات فيها، بل في مهرجاناته وحجم استقبالاته في ال 48 مقاطعة من مقاطعات البلاد التي زارها بينما لم يزر منها منافسوه سوى 12 مقاطعة هي عواصم الولايات!

 ثم إنه لا عبرة كبيرة بحجم المهرجانات خصوصا عبر الصورة التي تجعل من كل تجمع بشري محدود نسبيا تجمهرا كبيرا، ومع ذلك إذا نزعنا من هذا التجمهر عدد الفضوليين والأطفال وغير المسجلين للتصويت فلن يتبقى منه ما يمثل قوة انتخابية معتبرة كتلك التي كانت هي من صنع الفرق للمترشح محمد ولد الغزواني في مدن البلاد وحواضرها وأريافها وتجمعاتها، كما أنه وبأخذنا في الاعتبار الفوز الكبير للمترشح في مدينة نواكشوط كظاهرة جديدة ( أكثر من 85 ألف صوت ) حيث ما يسمونه الوعي وتدني العامل القبلي، وحيث الحضور التاريخي للمعارضة، وحيث الرقابة المشددة والحضور القوى لممثلي المرتشحين فإنه بذلك تتعزز أكثر مصداقية وشفافية هذه الانتخابات..

تتطابق النتائج التي أعلنتها لجنة الانتخابات مع المحاضر الموقعة من طرف ممثلي مرشحي المعارضة في كل المكاتب، ويعلن المراقبون المستقلون منهم والمحسوبون على المعارضة صحة هذه النتائج وسلامة هذه الانتخابات، ويعجز الرافضون للنتائج عن تقديم ما لديهم من أدلة للرأي العام أو للصحافة التي يدعونها لمؤتمراتهم الصحفية، لتبقى مسوغات هذا الرفض مبهمة وغير مُدعَّمة، ويعلن المجلس الدستوري النتائج النهائية وهو الهيئة التي لا معقب لأحكامها، وتبدأ رسائل الاعتراف والتهنئة للرئيس المنتخب في التقاطر من مختلف القارات، فيجتمع الرافضون لإعلان تجديد رفضهم ونيتهم اللجوء للرأي العام الوطني والدولي! رأي عام وطني لم يُقدم له الرافضون ( شي محكوم ابليد ) من الأدلة والإثباتات، وبالتأكيد أنه سئمٌ وضجرٌمن هذه المهاترات وليس مستعدا لمسايرتها والإنخراط فيها من جديد، ورأي عام دولي ليس معنيا بها أصلا وليس متفرغا لها أيضا، فلديه انشغالاته وأزماته، ومانحا الأولوية اليوم لاستقرار البلدان خوفا على مصالحه ورُعبا وحرجا من أمواج المهاجرين واللاجئين إلى بلدانه.. مانحا الأولوية لاستقرار البلدان التي لا ديمقراطية ولا حريات ولا آفاق لذلك فيها، أحرى بلدا يقر احترام دستوره ويمارس التناوب الديمقراطي على إدارة شؤونه بدرجة يطلب هذا الرأي العام الدولي من الآخرين الحذو حذوه.

6. يوليو 2019 - 17:33

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا