يقاس معدل نمو الدول بحجم استقرارها السياسي والأمني، بيد أن النظام السياسي القائم في مورتانيا تمثل منذ استقلال البلاد أواخر ستينيات القرن الماضي في سيطرة العسكر على الحكم،
باكورة الانقلابات العسكرية في موريتانيا كانت عام 1978،وتحديدا في العاشر من يوليو عندما أنهى العسكر حكم ولد داداه، ثم توالت الانقلابات 1979 و1980 و1984، ثم 2003 و2005،
كان آخرها عام 2008 على الرئيس المدني المنتخب سيدي ولد الشيخ عبدالله ،عقب قرار رئاسي بإقالة كل من :
-قائد أركان الحرس الرئاسي أنذاك محمد ولد عبد العزيز
- قائد أركان الجيش حينها محمد ولد الغزواني،
بعد مفاوضات شاقة في العاصمة السنغالية "دكار" وقع أطراف الأزمة الموريتانية رسميا على الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الحكومة والمعارضة في قصر المؤتمرات بنواكشوط وبحضور الرئيس السنغالي عبد الله واد وأعضاء لجنة الاتصال الدولية المكلفة بحل الأزمة الموريتانية،وممثلى كل من النظام والجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية وحزب تكتل القوى الديمقراطية الذي يرأسه زعيم المعارضة أحمد ولد داداه ،
وتم تنظيم انتاخبات رئاسية فاز فيها الجنرال ولدعبدالعزيز ،
تعهد ولد عبدالعزيز خلال ترشحه بمحاربة المفسدين و شن حربا بغية تصفية بعض رجال الأعمال ، ممهدا الطريق لصناعة جيل جديد وطراز آخر من المفسدين ورجال النهب على مزاجه وطريقته الخاصة وفي وقت وجيز ،
"رئيس الفقراء" لقب أطلقه أنصار الجنرال إبان حملته وحرص عليه طيلة عشريته العجاف،
لكن رياح الثورات العربية أدخلت -"منسقية المعارضة الديمقراطية" المعروفة فيما بعد باسم "المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة"-في احتجاجات واسعة وصلت حد مطالبتهم الرئيس بالرحيل،كانت المعارضة في أوج عطاءها بفعل عوامل المحيط والحراك القوي على الساحة، لكنها لم تعمل بما فيه الكفاية على الاستفادة من الظرفية، حاور ولد عبدالعزيز بعض الأحزاب المقربة من خطه قبيل إقتراع 2014،سادا الباب أمام المعارضة،
أقر حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية "تواصل"ذي المرجعية الإسلامية من بين أحزاب المعارضة خيار المشاركة في الانتخابات التشريعية والبلدية الممهدة لرآسيات 2014،
بينما قاطعت المعارضة مجتمعة رآسيات2014 ما مهد الطريق لمأمورية ثانية دون كثير عناء ،
إبان مشاركته في الانتخابات التشريعية والبلدية،
استطاع "تواصل" انتزاع زعامة المعارضة الديمقراطية قاطعا الطريق على بعض أحزاب المعارضة المحاورة،
ومع دخول الرئيس في مأموريته الثانية ازدادت الوضعية المأساوية للمواطن فشهدت السلع الأساسية غلاء في الأسعار فاحشا وتضآلت قيمة العملة المورتانية"الأوقية" ،وأكثر من ذلك تم إفلاس مؤسسات الدولة العملاقة مثل الشركة الوطنية للصناعة والمناجمSnim العمود الفقري للاقتصاد الموريتاني،
والشركة المورتانية لصيانة الطرق ENER إضافة للشركة الوطنية للإيراد والتصدير "Sonimex"في ظروف مشبوهة....؛
شهدت الحريات العامة هي الأخرى تراجعا خطيرا تمثل في اعتقال نشطاء سياسيين واحتجازهم دون محاكمة أو توجيه تهمة إليهم، وعلى المستوى الخدمي والتعليمي صودرت حقوق الطلاب الجامعيين ونكل بهم من طرف الوزارة البوليسية، واشتد الخناق مع وصول الوزير سيدي ولد سالم ،
عمل النظام أيضا على تضييق الخناق على طبقة رجال الأعمال المحسوبيين على المعارضة،
حكومة ولد حدامين وفي تعد صارخ لمشاعر الموريتانين- وفقا- للتوجيهات السامية أصدرت قرارا يقضي بإغلاق مركز تكوين العلماء قلعة العلم وشعاع موريتانيا ، على غرار ذلك تم حل الجمعيات الخيرية والاجتماعية المحسوبة على التيار الإسلامي ومصاردة مقراتها وممتلاكتها .....،
يذكر أن الدولة المورتانية قامت بحل "جمعية المستقبل للدعوة والتعليم" ومضايقة رئيس الجمعية العلامة الشيخ محمد الحسن ولد الددو،التي كانت الحكومة قد رخصت لها قبل ذلك بفترة وجيزة ،
وفي جو كهذا حرص الجميع على متابعة المشهد الإنتخابي بشيء من الجدية ،وإن تفاوتت طموحات وآمال المتابعين للاستحقاقات الرآسية حسب مواقعهم ورآهم،
أغلبية عريضة من النخبة والمهتمين بالشأن العام أبصرت في خروج الرئيس المنتهية ولايته الثانية- كما ينص دستور البلاد - من المشهد بارقة أمل، واحتراما للمواثيق يعزز اللعبة الديمقراطية ويكرس للتناوب السلمي ،
وبغض النظر عن الدواعي والأسباب وراء رفضه الترشح أو الترشيح لمأمورية ثالثة كان يروج لها داخل أسورة النظام ذي الأغلبية المريحة بالبرلمان الموريتاني إلا أن أملا لاح في الأفق ...،
الطيف السياسي المعارض عمل على اغتنام الفرصة وبادر بالتلويح بالمشاركة في استحقاقات 22يونيو مطالبا الحكومة بإشراك الجميع في إعادة تشكيل لجنة الإنتخابات المستقلة ووضع ضمانات لإنجاح المسار الإنتخابي،
بعد كثير مماطلة فوت النظام فرصة إشراك معاريضه في الإشراف على الإنتخابات ،
مشهد السباق نحو القصر الرمادي حمل في طياته الكثير من المفاجآت ؛
وجاء فشل المعارضة مجتعمة في دعم مرشح موحد مخيبا لتطلعات الكثيرين ،
لم تفق المعارضة من هول الصدمة حتى فوجعت بدعم قيادات معارضة وازنة لمرشح النظام وزير الدفاع السابق محمد ولدالشيخ محمد احمد ولد الغزواني،الخارج لتوه من ثكنته العسكرية فلم يشفع التاريخ الطويل الناصع ولا اللحظة التاريخية الصعبة، في ثني النخبة المعارضة الراديكالية عن القرار،
بادرت أحزاب( تواصل ،حاتم،المستقبل)المعارضة بدعم مرشح التغيير المدني سيدمحمد ولدببكر رئيس الوزراء في فترتي ولد الطايع والمجلس العسكري،
والذي رأت فيه فرصة للتغيير الجاد فكاريزما الرجل وتجربته التاريخية عززت حظوظه في كسب الرهان، فيما قررت أحزاب معارضة أخرى ( الصواب ،قوى التقدم )الزج بمرشيحها للمنافسة،
طيلة الحملة الانتخابية بقي المشهد السياسي ضبابيا ومعقدا وحتى لحظات قبيل فرز صناديق الاقتراع !
في جميع خراجته الإعلامية ظهر ولد ببكر قوياومتماسكا،لكن ضعف الإمكانات إضافة لعوامل نقص التجربة لدى طاقم حملة ولدببكر، كانت مفصلية ؛
تعززت حظوظ ولد الغزواني بفعل موقعه من السلطة ،كما أن البيئة الديمغرافية للرجل ساهمت في ذلك كثيرا،
مفاجئة حلول المرشح بيرام ولد اعبيدي ثانيا كانت بعيدة جدا،فكل المؤشرات كان تصب في مصلحة مرشح التغيير المدني،الذي يكان يراهن عليه الخط المعارض حال وصوله للشوط الثاني، لكن جلابيب السياسة خداعة،
طويت صفحة الانتخابات مع إعلان المجلس الدستوري النتائج الرسمية والتي أعلنت فوز المرشح محمد ولد الغزواني ،
ولدالغزواني تعهد وأكد في خرجاته على ضرورة إصلاح التعليم وترقية الشباب، والعمل على تحقيق اكتفاء ذاتي للبلاد ،وهو مايستدعي إشراك الجميع دفعا بعجلة النمو، فالوضعية المزرية للمواطن المثقل بكاهل التجويع والتخويف، والفساد الذي ينخر جسم الدولة ومؤسساتها ثم النهب الجشع الذي خلفه نظام العشرية، كذا المرحلة الحساسة التي تهدد مكونات المجتمع- كلها- مخاطر تستدعي من الجميع معارضة وموالاة تجاوز الخلافات الشكلية والعمل على استعادة هيبة الدولة ،وإصلاح مواطن الخلل وهي كثيرة معلومة،
فهل سيكون الرئيس محمد ولد الشيخ محمداحمد ولد الغزواني على قدر المسؤولية،
أم أن تعهدات الحملة مجرد سراب يحسبه الظمآن ماء..!
محمد فال ولد أحمد
طالب دراسات عليا