حدّثنى أحدُ البُلَغَاءِ و الحكماء أنه نصح يوما أحد النبهاء الأفذاذ المُتَحَجِّجِ دائما بانتظار استشارة جماعته قائلا: يافلان اعلم أن الملوك و الرؤساء إنما يرسخون ملكهم و حكمهم بتسمية مستشارين أوسع منهم علما و أرجح عقلا و أرسخ تجربة فأحزم أمرك و خذ قرارك فإنى أعلم أن مستشاريك "دون مقام الاستشارة".
فوظائف المستشارين و عُدَلَائِهِمْ من "المكلفين بمهام" بالوظيفة العمومية العليا من أهم الوظائف التى لا يؤتاها فى الدول الراسخة و "المتقدمة" إداريا إلا من من أوتوا حظا موفورا من العقل الراجح والعلم الراسخ و اللسان الفصيح و القلم السَّيَّالِ و التجربة الناجحة،...
و من المؤسف "غير المبشر"أن الأغلبية الغالبة من المستشارين و نظرائهم من المكلفين بمهام ببلادنا هم "الأقارب-المَحَاوِيجُ" les parents pauvres/the Poor relation
بالإدارة العمومية أغلبهم تمر عليه الشهور و السنون لا يستشار إذاحضر و لا ينتظر و لا يسأل عنه إذا غاب.
و التنويه واجب إلى أن أغلب المرافق الوزارية خصوصا و المرافق الإدارية عموما يعتمد كليا أو جزئيا على خبرات بعض المستشارين أو المكلفين بمهام الذين فرضوا وجودهم و انتزعوا مكانتهم بحكم مستوى من الكفاءة و الخبرة لا يمكن الاستغناء عنه.
و عموما فإن الرأي العام الوطني ينظر إلى مهام الاستشارية و التكليف بالمهام باعتبارها:
أولا:منفى و مَرْأَبُ "المغضوب عليهم":
يعتقد على نطاق واسع أن الوزراء و الذين "يَعْلُونَهُمْ" إذا غضبوا من كبار معاونيهم غضبا يسيرا أو متوسطا أحالوهم إلى منصب الاستشارية أو التكليف بمهام .
ثانيا-مَخْبَأَ العاجزين علميا أو صحيا: من المتواتر أنه فى أحايين كثيرة كلما تبين العجز العلمي أو الصحي لبعض الموظفين السامين تمت تسميتهم مستشارين أو مكلفين بمهام ضمانا لاحتفاظهم بالامتيازات المالية المتعلقة بالوظيفة دون إلزامية التكليف بنتائج مهنية محددة.
ثالثا-مقبرَةَ الفِيَّلَةِ و الأقدمين: من الملاحظ أن الاستشارية و التكليف بمهام يُلْجَأُ إليها أحيانا كَلَفْتَةِ إعادة اعتبار للوزراء و السفراء السابقين و الموظفين السامين الذين هم قَابَ أعوام قليلة من التقاعد مما جعل البعض يشبه بعض "الدواوين الاستشارية"بمقبرة الفِيَّلَةِ Cimetiere des éléphants لكثرة من ينتسب إليها من أولى الشَّيْبة من الموظفين الساميين.
رابعا-محطة تأهيل "المهاجرين غير الشرعيين":يسجل الرأي العام بشيئ من الاستهجان نوعا من "التسلل" إلى الوظيفة العمومية العليا عبر نوافذ التعيين بمناصب الاستشارة و التكليف بالمهام لبعض "المهاجرين غير الشرعيين إلى الوظيفة العمومية" متخذين منها "محطة تأهيل و عبور"إلى الوظائف السامية الأخرى.
و تأسيسا على التوصيف المبين أعلاه فإن الحاجة ماسة إلى "إعادة الاعتبار"إلى وظيفة المستشار و "عَدِيلِهَا"بالوظيفة العمومية العليا ذلك أنه من المسلم به أنه "ما خاب من استشار" كما أن "من لا يستشيرْ فهو دوما حَسِيرْ".