إلى الرئيس محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أكتب لكم هذه الرسالة في بداية عهدكم راجيا أن تكون عونا لكم في القيام بمهمتكم الكبيرة . إنكم من الآن تتحمَّلون مسؤولية عظيمة ، ومهمة خطيرة ، من قام بها فنصح وعدل وأدَّى الأمانة كان أولَ السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله يوم القيامة ، وكسب الثناءَ الحسن في هذه الدنيا ، ومن ضيَّع هذه المسؤولية ، وغش الرعية ، وغرَّتــْه الدنيا فحسْبه قول النبي صلى الله عليه وسلم : " ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ».
. " رواه البخاري ومسلم واللفظ له .
إنكم تبدؤون عهدكم وقد عاش الناس فترةً قلَّ فيها الأمنُ ، وانتشر الفقرُ وشاعت الأمراضُ المتنوعة ، وانحطَّ مستوى التعليم ، وعانى الضعفاءُ والمساكين أشدَّ لمعاناة ، وشاع الفساد ، وأيِس الناس من العدالة ، وعمَّت الجرائم .
هذا هو واقعُ البلد الذي تستلمون حكمه هذه الأيام ، وتستطيعون أن تكلِّفوا من تثقون به ليقدِّم لكم الحقائقَ الواقعية لكل قطاع من القطاعات ، ويشخِّص لكم ما يُعانيه من فساد وتخلُّف ، وبذلك تستطيعون أن تقدِّمُوا العلاجَ الناجعَ وتحدثوا الثورة التي يطمح إليها هذا الشعب على واقع الجهل والفقر والمرض والتخلف والفساد وغياب الأخلاق .
إن الثورة المطلوبة ليست أكثر من:
- تمسُّكٍ بالدين والأخلاق ، ورجوع إلى القيم في تسيير شؤون الدولة .
- وإشراكٍ للناس في الثروات التي منَّ الله عليهم بها وأودعها في هذه البلاد .
- وشيءٍ من العدل في التعيينات باختيار أهل الكفاءة والأمانة للمناصب وإبعاد الضعفاء والعاجزين وغير المؤهلين عن تسيير أمور المسلمين .
- وشيءٍ من الزهد في المال العام ليوجَّه هذا المال لإسعاف الفقراء والمساكين وإسعادهم ، بدل أن يكون ( دُولةً بين الأغنياء ) .
- وقضاء ٍعادلٍ يحكم بين الناس بالقسط ، ويفصل بين المتخاصمين ، ويوصل الحقوق إلى أهلها بلا منٍّ ولا أذى بدل تيه الحقوق في الدروب المظلمة بين المحاكم ومكاتب المحامين .
- وبرلمان ٍحرٍّ مستقل يصدع بكلمة الحق ،ولا تنحصر مهمته في تزكية ما تقدمه الحكومة ، لأن وجود هذا النوع من البرلمانات عبث لا يحقِّق إلا ترسيخَ الفساد ، وتثبيتَ دعائم الاستبداد .
- وشيء ٍمن الاستقلال في اتخاذ القرار ، والانطلاق في القرارات من مصلحة الشعب لا من أهواء الآخرين من وراء الحدود .
في هذه الرسالة أود أن أذكِّـــــركم بالأمور الآتية :
- إن علماء الإسلام يُعَرِّفون منصب الرئيس بأنه " خلافةٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم في حراسة الدين وسياسة الدنيا به " وما أعظم هذا المنصب الذي يراد من صاحبه أن يخلف النبي صلى الله عليه وسلم !! وأن يقوم بحراسة الدين وحمايته والدفاع عنه ، وأن يعمل لتكون كلمة الله هي العليا ، وأن يبذُل جهده في نصرة دين الله ، وأن يثبِّت أركان الإسلام فيعمل على إقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والأمر بالمعروف (وهو كل ما أمرت به الشريعة )والنهي عن المنكر (وهو كل ما نهت عنه الشريعة ) وفي ذلك يقول الله عز وجل (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور) ثم إن صاحب هذا المنصب عليه أن يسوس الدنيا بالدين فينطلق من الدين في جميع شؤون الحياة ويرجع إلى الدين لحل كل المشكلات ، ويجعل الدين هو المصدر الوحيد والأوحد للتشريع ، فهو يتبع أوامر الشرع ويُــــنفِّذها ويتصرف طبقا لذلك . السيادة عنده لدين الله ، والكلمة العليا لشرع الله ، ونصوص القرآن والسنة هي الحَكَم ، والشعار ( إن الحكم إلا لله ) ( ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون )
- لقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم لمن ولي شيئا من أمر الأمة فرفق بهم وعاملهم باللين واللطف والشفقة ، أن يرفُق الله به في الدنيا و الآخرة ، مجازاةً له بمثل عمله كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم على من ولي شيئا من أمر هذه الأمة فحملهم على ما يشق عليهم أن يوقعه الله في المشقة في الدنيا والآخرة جزاء وفاقا .
فعن عائشة رضي الله عنها قالت :
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فى بيتى هذا : " اللهم من ولِىَ مِن أمر أمَّتى شيئا فشقَّ عليهم فاشقُقْ عليه ومن ولِى من أمر أمتى شيئا فرفق بهم فارفق به " . رواه مسلم وتستطيعُ أن تعيّــــــِن مستشارا مكلفا بحصر الأمور التي تشق على الناس في أي قطاع من القطاعات لإلغائها ، وحصر الأمور التي فيها رفْقٌ بالناس لإقرارها .
- إن معيار خيرية الرئيس هو : الحبُّ المتبادَل بينه وبين الرعية فإذا أحبت الرعيةُ الرئيسَ وصارت تدعو له دعاءً خالصا من قلبها ، وأحب الرئيسُ الرعيةَ وصار يدعو لها دعاء خالصا من قلبه فهذا هو أفضل الرؤساء فهو إذا أحسن إلى الناس وبذل كل جهده في جلب المصالح لهم ودرء المفاسد عنهم ووفَّــــر لهم ما يحتاجون إليه من المأكل والمشرب والبيئة الصِّحِّية ، وسعى في نشر العلم والأمن والعدل ، وعمل على رفع الظلم ، ومحاربة الجهل والفقر والتخلف ، وجعَل ذلك شغله الشاغل ، وزهِد في جمع المال ، وزهد في الانضمام إلى نوادي (القارونيرات) . إن الناس عندئذ يحبُّونه ويدْعون له ، فيبادلهم حبا بحب ودعاءً بدعاءٍ ، وبذلك يكون من خيار الأئمة . فعن عوف بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " خيارُ أئمتكم الذين تحبُّونهم ويحبونكم ويُصلون عليكم وتصلون عليهم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم . " رواه مسلم .
- الزهد في المال العام أساس كل إصلاح ، والرغبةُ المجنونة في الاستحواذ على المال العام من أهمِّ أسباب التخلُّف في بلادنا وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أضرار الحرص على المال
فعن كعب بن مالك الأنصارى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ما ذئبان جائعان أرسلا فى غنم بأفسدَ لها من حرصِ المرء ِعلى المال والشرف لدينه ». رواه الترمذي وقال حسن صحيح .فمن زهد في المال العام تفتحت أمامه أبواب الإصلاح .
- أمور الأمة المُـــعقَّدة لا بد فيها من (الشورى ) الصادقة التي تبحث عن الرأي الأصوب ، ولا يصلح فيها الاستبداد ، وقد شرع الله عز وجل الشورى في فطام طفل واحد من الأمة قال الله تعالى (فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما) فما الظن بما هو أهم من ذلك ؟ فأقنعْ مستشاريك بأنك لم تخترهم لتكون آراؤُهم نسخةً طبق الأصل من آرائك ، إنما اخترتَهم ليدلُّوك على الرأي الذي يعتقدون أنه الصواب .
- اجعل الأولوية للفقراء والمساكين فابذل كل جهودك وجهود حكومتك لإغناء الفقراء وتوفير ضروريات الحياة الكريمة لهم ، وفِّر لهم الغذاء والدواء والمساكن اللائقة ، ويسر لهم النقل المحترم ، وخفِّض لهم الأسعار ، وتحمَّل عنهم تكاليف العلاج والتعليم والتدريب ، واجعل من أول أولوياتك القضاء على مظاهر البؤس والظلم والتخلف التي تلف البلاد من أرجائها . إن وجود هذه المظاهر شهادةٌ ناطقةٌ تُكذِّب كل ما يقال عن النمو والتقدُّم والعدل والازدهار .وتذكَّرْ قول رسول الله صلى الله عليه وسلم " هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم ؟ "رواه البخاري وتذكَّر سنةَ الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كان يجعل الامتيازات للفقراء لا للأغنياء وكان يوصي القائم على الحمى المخصص لإبل الزكاة فيقول له : " يا هُنيُّ اضمُمْ جناحَك عن المسلمين واتق دعوةَ المظلوم فإن دعوة المظلوم مستجابةٌ وأدخِل ربَّ الصُّريمة وربَّ الغُنيمة وإيايَ ونعمَ ابن عوف ونعم ابن عفان فإنهما إن تهلكْ ماشيتُهما يرجعا إلى نخل وزرع .. رواه البخاري واحذر سنة الرئيس الفرنسي ماكرون الذي يصفه الكثير من الفرنسيين بـ"رئيس الأغنياء"، ويتهمونه بالانحياز لصالح الأثرياء، الأمر الذي الذي أغضب عليه أصحاب السترات الصفراء .
- من الأمثال الشعبية الحكيمة مثل يقول (لَـــيْدْ الِّ تِــــــــــنْحَبْ مَا تِطْـــــــــرِشْ )
أعاننا الله وإياكم على رعاية ودائعِه وحفظ ما أودعنا من شرائعه .
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .