مقاربة أولية للنهوض بمنظومة الأجور و المرتبات الموريتانية / د.نورالدين محمدو

تعتبر منظومة الأجور والمزايا الراتبية في موريتانيا جزءًا من مُخرجات الموروث الإداري و التسييري للمستعمر الفرنسي. و تلك هي نفس الحالة تقريبا في أغلب دول شبه المنطقة، التي لا تزال ترزح مصفوفاتها الراتبية و منظومات الأجور ومعاشات التقاعد فيها تحت مخلفات ثقافة المستعمر الإدارية، التي لم يعد يعمل هو نفسه بها اليوم. حيث لا تزال هذه الدول للأسف تعتمد اليوم معايير راتبية جامدة، ذات تركيبة معقدة و متقاربة؛ لحد التطابق أحيانا. و ذلك بصرف النظر - في الغالب - عن تطور عالم الشغل و التشغيل و أسواق العمل و عولمة الأجر، و تطور معايير و مؤشرات المرتبات، من حيث الأشكال و المقاصد.

نريد من خلال هذه المقاربة، اقتراح منطلق نظري لإعادة بناء منظومة الأجور و المزايا و المعاشات في موريتانيا، بناءًا على أسس منطقية، واقعية ومبسَّطة. و ذلك لردم الهوة، بشكل تدريجي، بين التباينات الكبيرة في الرواتب المستحَقَّة فِعلِيًّا من جهة، و مواكبة القدرة الشرائية الحقيقية للعمال والموظفين من جهة أخرى. فلا يخفى على مهتم بالموضوع ما سيكون للنهوض و القفز بمنظومة الأجور و المرتبات الوطنية، بما في ذلك من إحساس بالعدالة، و استشعارٍ للشفافية بين صفوف العمال و الموظفين، من انعكاسات إيجابية كثيرة على فاعلية الخدمات ككل، و إستصلاح للإدارة في كافة ميادين الدولة. ناهيك عما ستؤدي إليه من تشجيع للحضور المثمر في المداومات الإدارية وتحفيز الإبتكار و التألق في العمل و التميز في الخدمات. بالإضافة إلى تجويد أخلاقيات المِهَنِ و الممارسات الإدارية، و الحد من ظاهرة إختلاس المال العام، و مراكمة الوظائف لدى الشخص الواحد...

كما أن هناك ميزة جوهرية أخرى في اعتماد مثل هذه المقاربات. ألا و هي الزيادة المعتبرة لما يعرف بالحد الأدنى لراتب النمو في البلد (SMIC)، حيث سيتم تقليص الفارق الكبير جدا بينه و الراتب الأعلى في موريتانيا. إذ أن هذا الأخير يمثل حاليا حوالي 230 ضِعفًا لأدنى راتب في البلد، في نشاز أخلاقي نادر عبر العالم! بينما تتجه مقاربتنا هذه إلى القفز بالراتب الأدنى بحيث لا يزيد الراتب الأعلى الأساسي في البلد على 20 ضعفا له، كمرحلة أولى (الأمثلة كثيرة و متاحة في الدولة الأخرى). ينضاف إلى هذه الميزة، وضع حد لمهزلة معاشات التقاعد التي لم تعد تسمن و لا تغني من جوع على الإطلاق في موريتانيا اليوم. و إلا، فمن يدلني على قاضٍ او جندي او مُعلم او طبيب أو أستاذ أو حتى مدير عام متقاعد،... يمكنه الاكتفاء براتب تقاعده من أجل أبسط حياة كريمة في موريتانيا اليوم؟! و عليه فإننا نقترح أن يحتفظ كل موظف يحال للتقاعد بآخر راتب أساسي (بعد هذا التحسين)، مع إمكانية إجراء مراجعات علمية شاملة لسِنِّ التقاعد في البلد، حسب التخصص و الجهد البدني، و المجهود الفكري و مستوى جسامة المسؤوليات.

لمتابعة البقية اضغط هنا :

24. يوليو 2019 - 17:43

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا