لقد كنت من المتحفظين ولا أزال، على تغيير الأنظمة الوطنية في العالم العربي بالقوة، لأن يد اليهودي الفرنسي "برنار ليفي" واصطفاف الغرب الذي لا يريد خيرا لهذه الأمة مع ثورات الشارع وتمرداته، خلقت واقعا ملموسا في كل التفاصيل الدقيقة لهذه الثورات، بدءا بليبيا انتهاء بمصر، لكن ما يحدث
اليوم في هذه الدول يعكس بالفعل قدرة الشعوب العربية على التماهي مع الواقع، وأكد أن الربيع العربي ليس حالة مرضية بل واقعا صحيا ستواصل معه الشعوب فرض إرادتها إن هي استمرت في رفض الاستسلام للأنظمة، بغض النظر عن الشعارات والتوصيفات.. ذلك لأن السلطة لها إكراهاتها التي قد لا تقع بالضرورة على جادة الشعوب.. شعوب لا تنشد سوى العيش الكريم والحرية والاستقلال, ولا شك أن التفريط أو التهاون بالدين والمقدسات يعني بالمحصلة أن نبيع حريتنا واستقلالنا بثمن بخس.
لقد بلغ الاستهتار بمشاعر المسلمين ذروته بمحاولة الإساءة إلى أكرم البشر ونعته بصفاة لا تنطبق على أبسط أتباعه الورعين، وتدخل هذه الإساءة ضمن سلسلة إساءات تنزلت من أجل التشكيك في هذا الدين العظيم وقيمه السامية. ولاشك أن سكوت المسلمين عن الرسوم المسيئة وما أشفعت به من حرق وتمزيق للقرآن الكريم، شجع أصحاب القلوب المريضة للتطاول على أقدس مقدسات المسلمين. ورغم ما يشهده العالم من احتجاجات واستنكارات فإن الغرب يحاول ادانة هذا الفعل على استحياء مسوقا عدم قدرته على منعه وحجبه عن مواقع التفاعل، بدعوى حرية التعبير المحمية بالقانون، ولاشك أن هذا التأويل القسري يعكس بجلاء مدى الافلاس العقلي الذي وصل إليه الغربيون والأمريكيون بشكل أخص. فلماذا حرية التعبير والحريات الشخصية محمية دستوريا عندما يتعلق الأمر بالتطاول على المسلمين وعقيدتهم وتقييد حرياتهم، بينما القوانين الغربية ترفض مجرد التشكيك في الهوليكوست، وتسمح للغربيين بخلع ملابسهم وتجرم المسلمين عندما يختارون نمطا خاصا بهم اكثر احتشاما. لقد حان الوقت للتعامل مع الصفاقة الغربية بشكل أكثر ندية واتزانا بعيدا عن الهتافات والصراخ وإشعال مقار البعثات الدبلوماسية، وذلك بانتهاج سياسة المعاملة بالمثل، ولا أعني هنا تمثيل أفلام تسيء إلى أي نبي من أنبياء الله، لكن بسن قوانين تجرم إهانة المقدسات وتسمح بمتابعة الذين يأتون ذلك الفعل الساقط أينما حلوا. إن الغرب يعيش اليوم ترفا ثقافيا وفكريا بعد أن أفلست توجهاته المادية، فسلكت نخبه سبلا حائرة تبحث عن الذات من خلال الاعتداء على الآخر وتسفيه مقدساته، ولاشك أن ذلك سينعكس سلبا على العلاقة التي أعتقد صناع القرار أنها ستتعزز بمنح الشعوب العربية المسلمة المزيد من الحرية. حرية لن تحسن من المستوى المعيشي لهذه الشعوب بقدر ما ستسمح لها بالتعبير صراحة عن الواقع المر الذي تعيشه ومدى كرهها للغرب الإمبريالي، ولا أدل على ذلك من أن الفعل الأكثر تأثيرا جاء من الدول التي اجتاحها ما يسمى بالربيع العربي. ذلك لأن شعوب هذه الدول لا يمكن أن يستسلم للرشوة الغربية المتمثلة في دعم ثوراتها، لأنها انتفضت أصلا لتتحرر من الوصاية الأمريكية والأوروبية التي فرضت عليها منذ 100 سنة، واقعا مرا تستحيل معه التنمية والتقدم، حيث استنزفت دويلة الكيان الصهيوني المصطنعة كل مقدراتها، وأنهك التركيز على التسلح وفرض حالات الطوارئ وضريبة القدس والجهاد كاهل هذه الشعوب، حتى من قبل أنظمة عميلة لا ولن تذهب أبدا لقتال اليهود.