ما هي إلا أيام قليلة ويقضي محمد ولد عبد العزيز سنواته العشر في الحكم، التي بدأها بالفساد الممطط بمحاربته وختمها بالمسرحية نفسها، فماذا حقق عزيز خلال سنواته العشر في مجال محاربة الفساد؟
صحيح أن الفساد مرض خطير، ووباء قاتل، يصيب الأوطان والبلدان وينتشر بسرعة فائقة في جميع مناحي الحياة، كانتشار النار في الهشيم، وخاصة الحساسة منها كالإدارة والمالية، ولايمكن استئصاله بين عشية وضحيها، وليست حالة خاصة بموريتانيا، وليست موريتانيا وشعبها بدعا من الدول والشعوب، إذ لا يكاد يخلو أي مجتمع من وجود الفساد، غير أنه يختلف من مجتمع إلى آخر حسب الأنظمة الإدارية للبلدان.
لكن عشر سنوات من محاربة الفساد لم تكن لتذهب هباء منثورا لو كانت هناك نية صادقة لمحاربته، وكان بإمكان النظام أن يحقق فيها أكثر بكثير منما كان الو سلمنا جدلا بما تدعي السلطة ومناصريها من قطع أشواط مهمة في مجال محاربة الفساد، وخاصة لو أن الحكومة عملت على تكريس مبدأ سيادة القانون، وترسيخ الشفافية، وثقافة المساءلة، وعملت على الاستفادة من العلاقة المتضادة بين الفساد والشفافية - لأن غياب الشفافية وتكريس الضبابية في العمل الإداري، يعتبر أحد أهم العوامل المساعدة على ظهور الفساد واستشرائه، كما تعتبر العلاقة بين الشفافية والفساد علاقة عكسية بحتة وكلما زاد الفساد إلا وقالت الشفافية، وكلما زاد تطبيق معايير الشفافية في العمل الإداري والمالي إلا أدى ذلك إلى التقليل من نسبة تفشي الفساد.
ويرى جل المتابعين للشأن العام الوطني من خارج قفص السلطة، أن حصاد محاربة الفساد خلال العشرية الأخيرة كان صفريا، ولم يكن سوى أداة لتصفية الحسابات السياسية، وشماعة لصرف الأنظار عن النهب الممنهج للنظام، وقد بدى ذلك جليا في حروب أقطاب النظام التي طفت على السطح في المأمورية الأخيرة لولد عبد العزيز وأودت مؤخرا برئيس الحزب الحاكم السابق الناطق الرسمي باسم الحكومة سيدي محمد ولد محم للاستقالة من منصبه احتجاجا على استجواب زوجته الأخير، الذي وصف بأنه ليس ثمنا لأدائها في العمل بقدر ماهو ثمن لمكانتها في البيت، وكذا إفلاس المؤسسات العمومية وتدوير المفسدين، وتركيع الخصوم السياسيين.
وقد انعكس ذلك سلبا على الحرب على الفساد إذ لم تستطع الحد من مخالفات القواعد والأحكام المالية، ولا الحد من قيام الموظفين باستغلال السلطة الوظيفية لتحقيق أجندة خاصة وتحقيق مكاسب مادية ومعنوية، ولا الحد من فرض الإتاوات والرشاوي على المواطنين مقابل حصولهم على خدمات عامة وحقوق مكتسبة، ولا استخدام القوة البشرية الحكومية في المصالح الخاصة، ولا الإسراف في استخدام المال العام، ولا اختلاس المال العام والاحتيال عليه، ولا الحد من تمرير السلع عبر منافذ السوق السوداء وتهريب الثروات والمخدرات والتهب الضريبي، ولا الحد من بيع المناصب العامة.
ومن خلال ماسبق يمكننا القول إن سر فشل محاربة الفساد المزعومة طيلة سنوات الفساد العشر يكمن في تسييسها وانتقائيتها وعدم تطرقها لأي من الإجراءات والوسائل المتعارف عليها في محاربة الفساد والتي أثبتت نجاعتها عبر العصور وفي كل أقطار الدنيا، ومن أهم تلك الاجراءات والوسائل:
- مكافحة البيروقراطية الإدارية بتكريس اللامركزية الإدارية والمرونة في القوانين والأساليب الإدارية في مؤسسات الدولة والمؤسسات التابعة لها.
- تثقيف المجتمع وتحويل ولائه بصورة تدريجية من العائلة والعشيرة الى الأمية والدولة.
- نشر النفوذ والثروة والعدالة الاجتماعية بين أفراد المجتع عامة، كي لا تكون حكرا على عسكر ورجال دين وزعماء تقليديين.
- نشر التعليم الذي يساعد على تطوير الطرق العلمية المعالجة للمشكل الحكومية والإدارية•
- التنمية الاقتصادية الشاملة مع تعزيز تكافؤ الفرص وتكريس العدالة الإجتماعية.
- ترسيخ الديمقراطية التي إذا نضجت ستلغي المركزية والفساد الناجم عنها.
- تنمية الشريحة المهنية ودفعها للرفع من مستواها الحرفي والمهني والأخلاقي.
- زيادة أعداد المحاسبين والتطبيق الحكيم والحازم للقوانين الخاصة بالتفتيش الإداري والمالي.
- ترويج القيم الدينية والأخلاقية.
- تحديد رواتب الموظفين بشكل يمنع الموظف من التفكير في ارتكاب جريمة الفساد.
- السيطرة الصارمة على الحدود مع دول الجوار ومنع المعاملات المشبوهة التي تتم في معظمها علي الحدود، ومن أهمها تجارة المخدرات وتجارة الأسلحة، والاتجار بالبشر.
- مكافحة طرق غسيل الأموال.
- وضع استراتيجيات تكافح البطالة والتضخم الذان يولدان الفساد بكل أشكاله.
- جعل الفرص الاقتصادية أكثر من القرص السياسية في المجتمع.
ومهما يكن فإن الحرب على الفساد وإن كانت كلمة حق أريد بها باطل، فقد فتحت بابا لن يغلق، ووضعت لبنة مهمة من لبنات المحاسبة بغض النظر عن تشوهها، ومهدت الطريق لنشر ثقافة الشفافية، وتطبيق حق مهم من حقوق المواطنة ألا وهو المساءلة.