حللتم أهلا ونزلتم سهلا ياراحلين إلى البيت العتيق وقاصدين البقاع المقدسة مهبط الوحي ومتنزل الرسالات
يقول الإمام ابن القيم : تعلقت القلوب بمحبة البلدة الحرام حتى استطاب المحبون في الوصول إليها هجر الأوطان والأحباب ولذ لهم فيها السفر الذي هو قطعة من العذاب فركبوا الأخطار وجابوا المفاوز والقفار واحتملوا في الوصول غاية المشاق ولو أمكنهم لسعوا إليها على الجفون والأحداق .
ولعمري لقد صدق فيما قال فإن الشوق لتلك البقاع في قلوب المحبين لا يوصف والحنين عندهم يزداد كلما اقتربوا من حط الرحال في عرصات البقاع الطاهرة وأزفت ساعة معانقتهم ومعاينتهم لتلك المشاهد والمشاعر الرفيعة وكيف لا والحج من بين أركان الإسلام ومبانيه عبادة العمر وختام الأمر وفيه أنزل الله قوله ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )
فيا ضيف الرحمان قبل البداية في رحلة العمر إليك مني وصايا حسان تنفعك ولاتضرك وترفعك عند مستضيفك ولاتخفضك
أولا : أخلص حجك لله
قال تعالى : ( فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربهي أحدا )
قال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل : ( من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ) رواه مسلم
قال سهل بن عبد الله ليس على النفس شيء أشق من الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب
قال شريح القاضي الحجاج قليل والركبان كثير
فلتراقبوا نياتكم ولتصححوا قصدكم فإن ذالك أنفع وأسلم
ثانيا : الرسول صلى الله عليه وسلم قدوتنا في الحج وغيره
تابعوا قدر المستطاع ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في طريقة أدائه للمناسك فهو القدوة والأسوة وعمله مطلوب وغيره مردود قال صلى الله عليه وسلم :( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) قال ابن مسعود : اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم
وكان عمر رضي الله عنه يهم بالأمر ويعزم عليه فإذا قيل له لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم تركه ولقد كان الشعار العام للنبي صلى الله عليه وسلم في الحج افعل ولا حرج وثقافة التيسير وفقه التسهيل ينبغي استحضارهما هنا وإشاعتهما بين الناس سعيا لرفع الحرج وضمانا لأداء المناسك حسب الطاقة ووفق الهدي النبوي
ثالثا : المكان عظيم والوقت ثمين فاحفظوا الحرمة ولاتضيعوا رأس المال
يقول ابن عطاء الله السكندري من علامة المقت إضاعة الوقت قال الحسن البصري : يا ابن آدم نهارك ضيفك فأحسن إليه فإنك إن أحسنت إليه ارتحل بحمدك وإن أسأت إليه ارتحل بذمك وكذالك ليلتك. فلا يليق بمن هو في تلك البقاع أن تمر عليه لحظة إلا وقد عمرها بذكر أو دعاء أو صلاة أو صدقة أو إحسان أو عمل صالح فالفرص لا تعوض ودوام الحال من المحال
رابعا: احذروا الخطوط الحمراء
قال تعالى : ( الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج )
قال صلى الله عليه وسلم : ( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه )
فقد وضع الشارع سياجا من الضوابط تتعلق بمنع كل المسلكيات غير اللائقة بمن يحضر مؤتمر توحيد المعبود ووحدة العابدين فمنع الفسوق في الأفعال والجدال في الأقوال والاشتغال بما لايناسب المقام من رفث ونحوه وجعل النسق العام هو الاحترام والألفة والأخوة
خامسا : الخزائن ممتلئة والرب غفار فأحسنوا الظن به جل جلاله
عن أنس رضي الله عنه: قال وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات وقد كادت الشمس أن تؤوب فقال يابلال أنصت لي الناس فقام بلال فقال أنصتوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأنصت الناس فقال : ( معشر الناس أتاني جبريل فأقرأني من ربي السلام وقال إن الله عز وجل غفر لأهل عرفات وأهل المشعر وضمن عنهم التبعات فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال يارسول الله لنا خاصة قال هذا لكم ولمن أتى بعدكم إلى يوم القيامة فقال عمر كثر خير الله وطاب ) صحيح الترغيب والترهيب للألباني
يقول عبدا الله بن المبارك جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاث على ركبتيه في عرفة وعيناه تهملان من الدموع فقلت ياسفيان من أسوأ هذا الجمع حالا فقال الذي يظن أن الله لا يغفر لهم
نعم هو كذالك أحسنوا الظن بالله وثقوا بموعوده وأقبلوا عليه طيلة رحلتكم فلترفعوا إليه أكف الضراعة متذللين واشفعوا ذالك بدموع الرجوع والعودة إلى سلم المنيبين فقولوا عفوا ربنا وغفرانك
سادسا : تذكروا الحبيب وهو يقول خذوا عني مناسككم فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا
تسيل الدموع عند النطق بهذه الوصية قبل أن تكتبها اليد وتختلط المشاعر عند سماعها قبل أن تحرق القلب واااااشوقاه إليك ياحبيبا أبصرنا من العمى وهدانا إلى النور كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل إلينا في حجة الوداع إشارات خالدة وتنبيهات راسخة مفادها تحمل أمانة الأمة قيادة وريادة ومسؤولية التعليم لها توجيها وتطبيقا ( خذوا عني مناسككم ) وترسيخ القانون المنظم لطبيعة التعايش بين أفراد الدين الواحد وأمة القبلة الواحدة ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام )
ضيوف الرحمان هنيئا لكم على إتاحة الفرصة وستكون التهنئة أكمل إذا تقبل منكم فشمروا وجدوا تقبل الله حجكم وشكر سعيكم
كتبه : أحمد محمد عبد الله الوافي بتاريخ الاثنين ٢٩/٠٧/٢٠١٩ انواكشوط