ثلاثة أيام بليالها، تفصلنا عن موعد تنصيب الرئيس الجديد للبلاد محمد ولد الشيخ الغزواني، وهو موعد يجد لدى كل الموريتانيين على اختلاف ألسنتهم وألونهم، وتعدد مواقفهم ومواقعهم، قراءة متوثبة واهتماما كبيرا، وإن اختلفت زوايا القراءة، وتباين القراء، لكن ما لا مرية فيه، ولا مجانفة للموضوعية هو أن أي قراءة استشرافية لمرحلة ما بعد الأول من أغسطس، لا انفكاك لها من التوكؤ على خرجات الرئيس الجديد وخطاباته غب الحملة الانتخابية وإثناء مراحل التحضير لها، كأهم مرجع يأوي إليه البحاثة والمتطلع لاستكناه سجف القادم، وهتك خبايا الآتي، قبل أن تلقى الجوازم على المضارع.
ولأن للجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية المرتقبة في سياسة البلد ما بعد فاتح أغسطس القادم، قراؤها ـ وكثير ما هم ـ فإن ما يهمنا في هذه السطور هو محاولة استشعار أبعاد السياسة الإعلامية المتوقعة، أو على الأصح تقديم ملامح رؤية لها، وفقا للمتكئ السالف، وهنا لا مندوحة من الاعتراف بأن الرجل نجح خلال جولاته في بضع وخمسين مقاطعة وثلاثة عشر ولاية، وعشرات اللقاءات مع المبادرات والتجمعات السياسية، (كانت كلها محطات خطابة وحديث جماهري أو إعلامي)، نجح في الإعراض صفحا عن التعريض أو التلميح، أو حتى الإماءة وإن تورية، بنقد أو تبخيس أو تهجم بحق أي كان، وقد استوي في ذلك من ناصروه ومن كانوا عليه ضدا.
لذلك لا ضير إن قلنا إن ذلك المنطلق القائم على تخليق الخطاب الإعلامي، وإبعاده عن روح المشاكسة والمناكفة، سيكون استمراره المطلوبَ الأول في قادم الأيام وقابل الأعوام، بل هو المنشود الأهم في ظرفية كالتي تغشانا اليوم حي تمر البلاد بحالة غير مسبوقة من الاستقطاب السياسي والاجتماعي والفئوي، ظرفية تستدعي سياسة إعلامية جامعة للشمل، واصلة للرحم، عازفة عن التنكيل، ومعرضة عن النَّكال، تنتج إعلاما يعزز ويصون الحريات الراشدة، ويُوّلي اهتمامات الرأي العام شطر قضايا التنمية والديمقراطية والوحدة الوطنية، ويخوض في المشترك الجامع ترويجا وتنويها، ويقبل بالرأي المجافي كقبوله بالرأي الموالي سواء بسواء، ويكرس لغة الاختلاف باحترام المنصف، وينبذ قاموس الخلاف بصرامة المعرض، نائيا عن لغة التنابز والتراشق والتخوين والتوبيخ.
إعلاما يسعى ـ سعيا مشكورا ـ باحترافية ومهنية لمواكبة التحولات الاجتماعية التي حانت لحظتها الفارقة، وأزفت ساعتها الموعودة (وما نتائج الانتخابات الرئاسية منا ببعيد) بانسيابية وإيجابية، قادرة على امتصاص الهزات الارتدادية لتلك التحولات، وتحوير تأثيراتها الجانبية إلى بلسم يشفي جراح عقود بل قرون من التفاوت الطبقي الظالم، والتمايز الاجتماعي الجائر، ويكون قادرا على توظيف النظريات الإعلامية العلمية، وسائر أدوات التواصل بشقيها الإعلامي والاجتماعي، لترويج سياسة واقعية، إيجابية الخطاب، هادئة الأسلوب، مرنة التعاطي، تسلط الضوء على النواقص دون تشنيع أو ترويع، وتذكر الفضل لأهله دون تزييف أو تلميع، إعلاما يبتعد بنا عن لغة التمجيد ومفردات التحميد، وينصرف بخطابنا السياسي عن أساليب السباب والتحقير، يراعي في مبناه ومضمونه وكل تجلياته حالة التنوع الثقافي والاجتماعي لهذا الشعب، باعتبارها روافد ثراء ونوافير تنوع، وينطلق من أرضية لا حظوة فيها للون على لون، ولا قوم على قوم، يتابع كل أبناء الوطن فيها ذواتهم ويجدون ثقافتهم وفولكلورهم وقيمهم ومناقبهم، ويحسون باهتماماتهم ومظالمهم ومشاكلهم وسائر منسوباتهم، دون غبن وتفريط، أو مبالغة وتقريظ.