التاريخ لا يحجب / سيـدي عيـلال

التاريخ ملك للأمم والشعوب لا يحق لأي قائد أو نظام محو فصول منه و لا إضافة فصول ، وتدوينه أمانة في رقاب معاصريه  ، بحلوه  ومره ، لأن الحدث التاريخي مهما كان مؤلما أو معيقا يبقى  تسجيله أمانة علمية ومحوه قرصنة ، وتشجيع فاعلها مشاركة في جرمها ، وتبرير مرفوض لفعلها ، وإجازة ضمنية لتكرارها ،  واستهزاء مهين  بجهود السلف ، وبتر خطير لجذور الخلف ، وفتح متعمد لباب الفوضى والتلاعب بالجهود .

إن تاريخنا في هذه الربوع جزء من كل تركت فيه الطبيعة القاسية بصمتها ،  وترك الغرباء أثرهم المفزع  ، وأحدثت رغبة البقاء والصراع الدامي من أجله جراحا نازفة ،  وحفرت أخاديد عميقة  عائقة  وجذر الجهل والتجهيل مبررات الخوف ،  والغبن ، والتهميش ،  وثَبَت ضعف الإرادة الصورة المشوهة لمراحل تاريخنا المعلن والمكتوم  وعجزت النظم الاجتماعية عن تبرير إشاعة الخوف والريبة المتبادلة و سفك الدماء كحل متوفر لفرض الوجود ولضمان البقاء المهدد دوما بالزوال في عتمة ليل الحضارة البشرية في منكبنا البرزخي فمرحلة تشكلنا الأولى اكتنفها التيه والترنح والفزع والوجع والغبن  الممنهج والإقصاء المتعمد والتشويه ،  وكرست الأنظمة السياسية فيما بعد اللوحة الغامضة والتجاهل المؤسف لتصحيح الأخطاء ووقف الممارسات المهينة للجنس والنوع وشجعت هذه لأنظمة الفهم الخاطئ للوطن ودور الشعب فيه وغضت الطرف عن ضرورة تغيير الصورة التي تشكلت للوطن على أنقاض أنظمة اجتماعية وسياسية عتيقة أراد لها المستعمر أن تتوقف دورة تطورها عند عتبة الحضارة الغربية المعروضة على خشبة  مسرح الدولة الوطنية الحديثة وتبقى  كمتفرج يشارك في الأدوار الثانوية ، أو تنظيف مخلفات فصول التحكم التعسفي ،  والتركيع المذل ،  وانتهاك شرف الجنسين واستخدامهما لإشباع رغبات الأجناس المتفوقة الصائلة  والمسيطرة .

من حق الأجيال الاطلاع على إخفاقات ونجاحات السلف ، لتعتبر وتحترس وتضيف  ، فلا يعقل  أن يطالب مفتون في القرن الواحد والعشرين ،  أن لأي سلطة سياسية  ــ مهما كانت شرعيتها أو مُشَرِعها ــ  أن تعطي لنفسها ــ منفردة تفرد المالك في ملكه  ــ حق التصرف في تاريخ أمة  ــ كأي أمة أخرى  ــ ولدت مشوهة بعد مخاض عسير  ،يوم كانت القابلة تقطع الحبل السري بسكين صدئ تحت خيمة وبر،  مع ذالك فكل ناج من خطر الولادة يولد فعلا على فطرة أبويه وفطرة أمه خاصة ويدخل سريعا في دورة الحياة المتاحة ،  ورغم علاماتنا المميزة ومعركة بقائنا الصاخبة ، فلقد تمكنت قبائل بعينها من الشروع في إقامة شكل سياسي جامع  ، مهما كانت بدايته دموية مخيفة  ، فإنه شكل محاولة محلية خالصة ، لنواة سلطة مركزية  ، لو أتيحت لها الفرصة   ، لكان تصحيحها أولى من استنساخ نظام غريب سفك من دماء لأبرياء ما لم تسفكه الحروب الداخلية خلال قرون وشرّع استمرار مجتمع  تراتبي الحياة فيه تؤخذ غلابا لا تكافلا ولا إيثارا ، مجتمع أفرغ شعار الجمهورية من مدلوله وشوه صفة إسلاميته وحارب جذوة وحرارة الانتماء  لهذ الشكل الوطن  الغامض التائه والمخيف الذي ارتجل دعائم أسسه واستورد مخطط تأسيسه وردد بلكنة أسياده نشيد الوطن ـ المدينة أو الجهة ونسي طينه ساعة أنه طين فصال تيها و عربد.

حينما نكتب تاريخنا وفق رغبتنا فإننا نوشك أن نخرج للعلم من العدم وهي صفة نادرة إن لم تكن مستحيلة بسببها  تظل أنظار العالم ترمقنا باستغراب وسخرية وتوجس مريب وخوف شديد فهلا شددنا أزر محاولة تصحيح الأسس الأخيرة حتى وإن  اعتبرها البعض مجرد شعار للاستهلاك فلم لا نخطف فرصة ذكرها لتأكيد ضرورتها وتبني الجميع لها وقطع دابر مروجيها وتوعية شعب الجمهورية الخامسة بجديتها والتمسك  بها  كحقيقة ومطلب لا كفزاعة  وشعار

2. أغسطس 2019 - 12:15

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا