أما آن للتعليم أن يصلح ؟ (5) / المختار بن آمّين

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.

أما بعد فهذه الحلقة الخامسة من هذه السلسلة، أخصصها للحديث عن الآلية التدريسية الميدانية.

وأول ما أتحدث عنه – في هذا الصدد – وجوب تدريس جميع المواد وفي جميع مراحل التعليم الأساسي باللغة الدستورية التي يتكلمها الشعب، وهي قضية مسلمة ومفروغ منها في تجارب الأمم، أكتفي للتدليل عليها بما ورد في تقرير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة- اليونسكو- في 21 فبراير 2016 حيث أوصت بضرورة التدريس باللغة الأم، وجاء في تقريرها: "أن أفضل الدول الرائدة عالميا هي التي تدرس بلغاتها الأصلية" وفي دراسة أممية أخرى منشورة أن 19 دولة تتصدر العالم تكنلوجيا يرتكز تعليمها على اللغة الأم، إلى غير ذلك مما هو منشور موثق، والاطلاع عليه ميسور.

وهذا ما توصلت إليه العديد من الدول بعد تجارب وتعثرات، ومنها – مثلا – ماليزيا التي حققت نهضة متميزة مشهودة في العالم، وكانت في البداية قد اعتمدت اللغة الإنجليزية في تعليم مبادئ العلوم التجريبية والرياضيات بدل اللغة الماليزية، وبعد ست سنوات من التجربة قررت إيقاف المشروع والعودة إلى التدريس باللغة الماليزية «المالوية» وحسب ما جاء في تعليل القرار فإن السبب هو أن الدراسات التي أجريت على أكثر من 10 آلاف مدرسة أثبتت فشل التجربة وأن التدريس بالإنجليزية أدى إلى تدهور مستوى الطلبة على المدى البعيد، وخاصة في الرياضيات والعلوم ونحوها.

وما لي أذهب بعيداً وتجربتنا المحلية خير شاهد على فشل التدريس بلغة أجنبية!

وأبادر هنا لأقرر ثلاث ملاحظات سريعة قبل مواصلة الحديث في إصلاح نظام التدريس فأقول:

  1. إن اللغة العربية لغة دين قبل أن تكون لغة قوم وشعب، وبالتالي فهي لغة جميع الموريتانيين؛ إذ جميعهم مسلمون، والحمد لله.
  2. إنني قد اقترحت – ضمن الحديث عن إصلاح المناهج – تقرير جميع اللغات الوطنية الدستورية في التعليم الأساسي.
  3. إن كثيراً من الدول التي اعتمدت نظام التعليم بلغتها – ومنها ماليزيا - ذات تعدد عرقي ولغوي، ولم يعتبر هذا تحيزا عنصريا ضد الأقليات الناطقة بغيرها، ما دامت لغاتها تتداول وتدرس بحرية.

فلا معنى لتحسس أي مكون عرقي موريتاني من الحديث عن ضرورة التدريس باللغة العربية البتة.

ولا يتسع المقام لأكثر من هذا في قضية جزئية قد نالت من التناول ما يرفع لبسها.

والاقتراح الثاني في إصلاح العملية التدريسية توفير الوسائل التعليمية الكافية – من معامل وأجهزة ومكتبات – من أجل شرح أوضح، وفرص أقوى للاكتشاف والتدريب.

ومن الاقتراحات: توفير بيئة من الراحة النفسية والجسدية تسمح للتلميذ بالاستيعاب التام بعيدا عن الضغوط من أي نوع كانت، ومن مقتضيات ذلك الفصل التام بين الجنسين – على الأقل في الإعدادية والثانوية – حيث أثبتت التقارير الدولية والتجارب البشرية أن اختلاط الجنسين في تلك المراحل من أشد مشوشات الذهن وأكثرها تأثيرا على المستوى العلميّ.

ومن المقترحات: توسيع فترات التلقي والتعلم – في الجو المريح الخالي من الضغوط – حتى يتمكن التلاميذ من التجريب والابتكار، وفي هذا الصدد أقترح أن يكون الدوام الدراسي مستغرقا جل النهار، وخاصة في التعليم الأساسي، مع توفير متطلبات ذلك، مع راحة أسبوعية لمدة يومين كاملين.

ومن المقترحات: الاستفادة من الآليات المجربة في المحاضر لترسيخ المعلومات كالمباريات العلمية (الزركـ) والفرق العلمية (الدولة) وغيرها، فلا يشك في نجاعتها إذا وقع كل ذلك في بيئته وبإشراف وتوجيه المعلمين.

ولا يفوتني في الختام أن أذكر بأن المقترحات في جانب محدد لا تشكل وحدها نظرية إصلاحية متكاملة، فلا بد من اعتماد الإصلاح الشامل، وقد مر الحديث عن بعض الجوانب، وستأتي جوانب أخرى في الحلقات القادمة إن شاء الله.

                                                            

فإلى الحلقة القادمة

14. أغسطس 2019 - 16:40

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا