ليس مهما عندي في هذه الأجواء تشكلة الحكومة أو طبيعتها فمن منحه الموريتانيون الثقة يجب أن يكون قادرا على اختيار من يستحق ليكون عند حسن ظن الناس الذين ثاقوا فيه به ويختار بمقتضى تلك الثقة ما يستطيع أن يجسد من خلاله مشروعه الجامع الذي التفت حوله الألوف من الموريتانين جاماعات وواحدانا ، بقدرما تكمن الأهمية عندي في طبيعة المشروع النير ذاته الذي دعا له الرئيس الموريتاني والذي شمل في مجمل ما جمل من أمور تستحق التنويه والإشادة الربط بين ثنائيتي الأصيل والحديث والسير بمتطلبات الحديث حسب إملاءات التليد الراسخ لكي يتشكل في النهاية المجتمع الموريتاني المعاصر بما يميز حضارته من عادات قيمة وفكر بناء يستحق البعث والتنوير، يتجلى ذلك أكثر في المحافظة على النموذج المحظري الذي ميز ثقافة هذا البلد عبر العصور وشكل الثابت الأهم من بين جميع المتغيرات فإحيائه والإعتنتاء به وعصنرته عصرنة للقيم الموريتانية وللمجتمع الموريتاني.
هذا فضلا عن ما شمله البرامج من تحسين وإصلاح يشمل المستويات كافة الصحية والاقتصادية والتعليمية رغم أولويتها إلا أن التكامل المتوازي يبقى أمرا مطلوبا لكي نمنع الاختلالات التي قد تحدث عند ترقية جانب على حساب آخر وهي مسائل وقعها كثير للأسف يربط التخلف في بلدان العالم الثالث.
لقد أصبح حلمُ الدولة التي كرستها فرنسا يوما وحملت عليها نخبة من أبناءنا أكملوا تكوينا عصريا في جوامع فرنسية واقعا ، ليس لأن الدولة استقلت 1960 فحسب ، ولا لكونها تحمّلتْ من النكبات والأزمات الداخلية والخارجية ما حملت في واقع معقد وسط بيئة خطرة وداخل مكونات متناقضة اجتماعيا ويسهل أن تركب أي فكر إعدائي لأحد العناصر المكونة لمجتمع الدولة أيضا ، ولا لكونها نجحت عبر توالي السنوات والمحطات المتدافعة في خلق جوٍ حرٍ يصرح في كل صاحب رأي برأيه فضلا ما زاحم الساسة من مشاريع سياسية فاقت القدر المطلوب لأسباب أو لأخرى قد تكون موضوعية وقد تكون غير ذلك ، بل لأننا في محطة غير كل تلك المحطات وواقع مختلف تماما نطمح من خلاله إلى تنظيم الحقل السياسي من جديد لما حظي به الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني من إجماع وقبول من جهة ، ووضع الأسس الأولية لبناء دولة المؤسسات وإصلاح النظم التربوية والتركيز على تطوير المنظومة الأمنية والعسكرية لأن الواقع الجغرافي يتطلب ذلك من جهة أخرى.
ولقد كانت عادة التعدد تعني في أعراف السياسين الظهور في أكبر قد ر ممكن من المؤسسات الحزبية والصفحية والمدنية وغيرها وهو ما يعني تعدد الفاعلين المدنيين والصحفين بتعدد تلك المؤسسات دون أن تكون هناك رؤية مختلفة إذا ما فحصنا الرُّؤى المرجعية لهذه المؤسسات فنجدها تحمل رؤى موحدة لا تختلف - إن اختلفت - إلا في أشكالها دون المضامين الرئيسية المعبرة على تميز المشروع عن غيره وحمله فكرة دون غيرها ، وهو واقع يجب أن تكون هذه المرحلة التي ساد فيها الوفاق وأخذ زمام الأمور فيها شخص بحجم ولد الغزواني الذي كان ترشحه فانوس أمل ركبه الكثير وتستشعر الكثير أيضا بالرضا والقبول والارتياح بنجاحه ورئاسته مرحلة لتنظيمه والإعتراف تبعا لذلك التنظيم بتوجهات كبرى هي ما تحدد توجه الدولة وإمكانية تعاطيها مع المشاريع والمؤسسات الفاعلة في أي ميدان كانت وتقيد بعدد معين كي لا تعود الفوضوية لسابق عهدها الأولي.
إن التعابير المشوهة لحرية التعبير المشهودة عندنا ولاأخلاقية الانتقاد والتوضيح أمر يحتِّم علينا جميعا بلورة فكرة أخلاقية تتعالى عن دنيئ القول وشخصنته في أي إطار شرعي يترفع عن سفاسف القول ناشدا غايات الفعل بأسلوب لائق ، وبتحكم القانون الذي يجب أن يكون هو المسير الأول عن العلاقات البينية التي تربط الناس ببعضهم البعض كي يكون تعاطينا السياسي مع الأمور أكثر لباقة من ذي قبل وأكثر أخلاقية ، فلا أخلاق بدون وعي ولا وعي بدون علم وإحاطة.
إننا حلمنا مرة بدولة المؤسسات وسعينا فيها في إطار المشروع الذي نادى به الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني ، وما كانت الأوتار التي عزفنا عليها أنغام ذلك الحلم إلا تعبيرا عن ما يتمثل في خلد مشاعرنا عن هذا الوطن وما نرجوه له ولا يمكن لأي كائن من كان أن يحسدنا عليه بعد... لأننا بحاجة فعلا إلى مرحلة انحلال تًسلمنا في نهاية مطافها إلى مرحلة "مثاقفة" تنبثق بل وتتشكل من خلالها رؤية واعية لتاريخ هذا الوطن وعارفة بشكل جدي لكل تفاصيل واقعه الاجتماعي والجغرافي ، لكي نضع من خلال ذلك كله اللبنة الأولى والحجر الأساس الذي نبني عليه قيم هذا الوطن قبل أن نجسد حجره.
بحاجة إلى فكر يربطنا بالذات دون أن يجعلنا نركن للتاريخ ركون الميت غير المكترث فليس في ذاتنا رغم البساطة والبداوة ما ينفرنا منها نحو تشكل آخر قد تكون عواقب معانقته اجتماعيا وثقافيا بتكاليف باهظة ، وبحاجة إلى دولة تنظم الفوضى وتجمع المتشتت وتوحد المختلف مع احترام الخصوصيات وابرازها كمفخرة مهما كانت وهو ما نرجوا ونُؤمل أن نراه في عهد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.