فخامة الرئيس غزواني ... أنتم آخر بصيص أمل للشعب فلا تخيبوه ! / محمد الامين باباه ديداه

منذ تربعكم على قيادة الأركان العامة للجيوش ، ونحن نسمع عنكم في كافة المجالس العامة والخاصة ما تطمئن إليه القلوب ، وماتبحث عنه الأمم والشعوب من أمانة وكفاءة ومهنية ونزاهة وشفافية ، وفطنة وذكاء وصرامة في العمل ، ولكن دون أن نشاهد ذلك تجسيدا على أرض الواقع ، ولم نر له ترجمة فعلية واضحة على تلك القيادة ، ولا حتى ظهورا إعلاميا على غرار ما تعودنا عليه من ثرثرة للجنرالات ، وممارسة للسياسة في انتهاك صارخ للقانون ، وهي لعمري خصلة تحسب لكم ؛ مماجعلنا نشرئب ونتطلع طيلة تلك الفترة إلى ظهوركم ، وتقدمكم أمام رجال الشأن العام ، ولا زلنا في انتظار ذلك حتى شاءت الأقدار إعلانكم ورغبتكم في الترشح لرئاسة الجمهورية ، ولنيل ثقة الشعب الموريتاني ، وكانت تلك الدعوة لقيت قبولا منقطع النظير ، وتلبية حقيقة في نفوس هذا الشعب المطحون أملا منه في وجود من ينسيه ألم العشرية الماضية، ومعاناتها البائسة .وقد تجسد العمل على تلبية تلك الدعوة من جميع الطيف السياسي ؛ بل من كافة الشعب الموريتاني معارضة وموالاة ، وهو ما ظهر فعليا من خلال نتائج الانتخابات الأخيرة . الأمر الذي جعل الكل يحلم ويتفاءل ببزوغ عهد جديد يحتضن الجميع ، و يرى فيه الكل ذاته ، انسجاما مع مبدأ الوحدة الوطنية ، وعملا بنظرية التلاحم الاجتماعي ، وتطبيقا لقاعدة تكافؤ الفرص ، وإقامة العدل و المساواة على أن يتم تدشين ذلك العمل بضمان وجود شراكة حقيقة ، وانفتاح فعلي يحقق النقصود ، ويلبي الطموح بين الفرقاء السياسيين ، والفئات والشرائح من مختلف أبناء وطننا الغالي . وقد حرصتم على الالتزام بذلك في برنامكم الطموح ، وخطاباتكم الرنانة قبل الحملة وأثناءها ، وبعد التنصيب ، وقلتم بأنكم رئيسا للجميع .مما جعل الأمل يتنامى ، ويزداد فيكم يوما بعد يوم .

سيدي الرئيس الآن الشعب يتطلع إلى مستقبل مشرق، وعهد جديد تصالحي، ولا يخفى أن أول مظهر من مظاهر ذلك كان ينبغي أن يتجسد واقعيا في تشكيلة حكومتكم الموقرة ، والأهم في ذلك هو فتح الفرص أمام كفاءات جديدة من أبناء وطننا الغالي تعكس الشعب بجميع أطيافه وفئاته وشرائحه - وهو ما تحقق نسبيا - و لم تخدم إطلاقا مع الحكومات المتعاقبة - وقد انخرم هذ المطلب ، أو لم يطرد كليا - فلا معنى حقيقة لمن يمثل إصلاحا جديا ، ويريد تأسيسا لنهضة جديدة أن يتكئ في ذلك على أشخاص فاسدين كانوا قبله ، ولهم ملفات خطيرة ، وولاءات متأصلة لمن سبقه نتيجة الحفاظ على ممتلكاتهم ، وبغية حمايتهم من المساءلة القضائية ، وبهدف التستر على فضائح مالية كبيرة .

ولكن بعد خروج التشكيلة التي تضمنت أوجها عزيزية مازالت عصية على التغيير رغم كونها مستقبحة عند الأكثر ، ومرضية عند البعض الآخر، فقد خاب الأمل مبدئيا ، وتراجع التفاؤل واقعيا ، وتأكد استمرار نهج عشرية الجفاف والسواد مشاهدة . ورغم أننا مازلنا متفائلين، ومتفهمين أيضا للإكراهات التي ربما عانيتموها أثناء عملكم لتك التشكيلة ، فلايخفى أن تعيينكم لبعض وزراء الرئيس السابق نتيجة تعهدات سابقة ، والتزامات قطعتموها على أنفسكم أثناء الحملة مثل تعهداتكم للشعب الموريتاني بتطبيق برنامجكم الكفيل بإحداث نقلة نوعية ، ونهضة تنموية للبلد ستنتشلونه بها من الحالة المزرية ، و الوضع البائس ، والواقع الكارثي الذي يعانيه على جميع الأصعدة والمستويات والميادين ! وإذا كان الأمر كذلك فالوفاء بالتعهدات مهما كان نوعها أمر ضروري ، ومطلب جوهري، ومن خلاله يتجسد صدق نية الملتزم ، أو عدمه، وبه يحصل الفرق بين من يفهم ماهية العهد وحقيقته ومفهومه ، ومن لا يتصور ذلك على الحقيقة، ولا يدرك معناه !! ومن هنا فينبغي تجاوز إشكالية ماهية الحكومة، وجعل التركيز والنظر منصبا على العمل الجاد والدؤوب .والتقويم الدقيق لذلك لايمكن أن يتجلى إلا بعد مرور سنة على عمل تلك الحكومة ، فيصعب عليها الإتيان بنتيجة سلبية أو إيجابية تمكن من الحكم عليها فشلا أو نجاحا ؛ أما غير ذلك فهو مجرد أحكام مسبقة ، وقرارات جاهزة لا تتسم بالموضوعية والإنصاف ! وأكثر مايمكن أن يقال عن تلك الحكومة أنها جاءت دون المطلوب والمتوقع والمظنون ، وفوق الأسوإ ، والأقبح ، فكانت مستوية الطرفين بين الأفضل والأردأ ؛ لأن الأفضل منها متاح تأكيدا ، والأردأ موجود يقينا ؛ إلا أنها مع ذلك تتميزت بعدة خصائص ومميزات كان لفخامة الرئيس فيها مزية السبق ، وبراعة الاختراع ، وكان من أهمها مثالا لاحصرا :1 - وجود أوجه تكنوقراطية في أول تشكيلة له ، غير مأخوذة على معايير سياسية أوقبلية . 2 تمثيل شريحة لحراطين بنسبة أكثر مما كان يقع في السابق. 3 أن هناك وزارء لم نسمع عنهم من قبل، وتلك مظنة لنظافتهم من المال العام ، وعدم فسادهم، وتلك خطوة مهمة 4 أن الحكومة لم تشكل اعتباطيا ؛ بل تمت تشكلتها بعد دراسات عميقة ، ومباحثات ومشاورات كلفت وقتا طويلا ، ومناسب أن يكون ذلك من أجل التحري وبغية الدقة. 5 الغالبية العظمى من وزرائه ، - وخصوصا الوزارات التي تعاني من الاختلال الجوهري - راعى فيهم بصرامة احترام التخصص ، وهي مسألة لم تراع في الماضي بتلك النموذجية .6 والأهم من تلك المميزات أن حكومته - إلى حد ما - شكلت ثورة فعلية انتقامية على ممثلي المد التصفيقي ، والنفوذ القبلي ، والجهوي ، بدل تشجيعهم ومكافأتهم على ماقدموا له تزلفا ونفاقا . وهناك العديد من المؤشرات توحي بأن البلد دخل مرحلة جديدة ، والوضع سيتغير بجهود فخامة الرئيس وببصمته الخاصة ، خلافا لما يروج له دعاة المأمورية الثالثة ، وحراس استمرار نهج الرئيس السابق ، وما هراء نواب upr وبعض أطره، وزرائه السابقين ، وامتعاضهم من الحكومة الجديدة عنا ببعيد . وما خطاب الرئيس في أعقاب مجلس الوزراء بأن دهر التوجيهات النيرة انتهى وولى إلا خطوة في الاتجاه الصحيح ، ومطلب جوهري منتظر . 

و في البداية تذكروا جيدا يافخامة الرئيس غزواني أنكم آخر بصيص أمل للشعب فلا تخيبوه ، مثلما فعل الرئيس السابق من قبل ، فقد خيب الآمال ، ودفن التفاؤل ، ووأد الطموح بعد ارتياح الشعب لخطابه الشهير " أول مايخطر على بالي هو الأوضاع المزرية لآلاف الفقراء والمحرومين الذين يعلقون آمالا جسيمة على برنامجي ... " فقد وعد الشعب الموريتاني بالكثير لكنه أجهض ذلك الأمل في مراحله الأولى ، ووأد الطموح قبل أن يستهل صارخا ، و سرعان ما أخلف وعده ، وتنكر لهذا الشعب المطحون ، حيث بدد ثروات البلد ونهبها ، هو وأقاربه وسماسرته ، وأفلس الشركات ، وأنهك الدولة بالديون ، وتدهور التعليم ، والصحة ، والأمن إن لم تكن الثلاثة انعدمت بالماضي ، وارتفعت الأسعار ، واستفحلت البطالة في صفوف أبناء شعبنا العزيز إلى غير ذلك من المساوئ التي لاتحصى ، والكوارث التى لاتعد .

وحتى تمثل نهضة حقيقة وواقعية عليك أن تعمل على القطيعة التامة مع مسار ونهج الرئيس السابق ، وأن تعمل جاهدا على التطبيق الفعلي لبرنامجكم المتكامل. وأنجع وسيلة لذلك هو إعطاء الوزراء صلاحيات واسعة ؛ بل عليكم أن تطلقوا لهم كامل التصرف والعنان في تنفيذ الخطط والبرامج التنموية والإصلاحية ؛ وفي المقابل عليكم بالرقابة والتقييم ، والمحاسبة العسيرة قبل التنفيذ وأثناءه وبعده.

18. أغسطس 2019 - 9:54

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا