بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف خلق الله
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه :: ثمال اليتامى عصمة للأرامل
يلوذ به الهُلاَّك من آل هاشم :: فهم عنده في نعمة وفواضل
كان أبو طالب يدرك أن من كان في مثل محمد صلى الله عليه وسلم يستدر به الغمام وابلاً هطلاً فكان له ذالك أحسن عزاء لما هم فيه حينها من جوع وشدة وقحط وجفاء للقريب، كان ذالك في السنة السابعة من بعثة آخر الأنبياء، ثم هاجر بعد ذالك بست سنوات ليثرب فبينا هو قائم يوم الجمعة خطيبا قام أعرابي فقال: يَا رَسُولَ اللهِ: هَلَكَ الْمَالُ، وَجَاعَ الْعِيَالُ، فَادْعُ اللهَ لَنَا. فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهُمَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ صلى الله عليه وسلم فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ وَمِنَ الْغَدِ وَبَعْدَ الْغَدِ وَالَّذِي يَلِيهِ حَتَّى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، وَقَامَ ذَلِكَ الْأَعْرَابِيُّ أَوْ قَالَ غَيْرُهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ وَغَرِقَ الْمَالُ فَادْعُ اللهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: ( اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا) فَمَا يُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ السَّحَابِ إِلَّا انْفَرَجَتْ وَصَارَتِ الْمَدِينَةُ مِثْلَ الْجَوْبَةِ وَسَالَ الْوَادِي شَهْرًا، وَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَّا حَدَّثَ بِالْجَوْدِ.
وحكى ابن عبد البر الاجماع على سنة الخروج للاستسقاء عند احتباس المطر وتمادي القحط فقد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وفعله الصحابة من بعده
فعن عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قُحُوط (احتباس) المطر، فأمر بمنبر، فوضع له بالمصلى، ووعد الناس يوماً يخرجون فيه، فخرج حين بدا حاجب الشمس (ضوءها) فكبّر وحمد الله،
ثم قال: "الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين لا إله إلا الله، يفعل ما يريد، اللهم لا إله إلا أنت، أنت الغني، ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت علينا قوة وبلاغاً إلى حين"، ثم رفع يديه، فلم يزل يدعو، ثم حوّل إلى الناس ظهره، وقلب رداءه، وهو رافع يديه، ثم أقبل على الناس، فصلّى ركعتين (أخرجه الحاكم وصححه).
ثم كان ذالك فعل الصحابة من بعده ففعله عمر بن الخطاب فروى عنه أنس رضي الله عنهما أنهم كانوا إذا قحطوا استسقى بالعباس فكان يقول:(( اللهم إنا كنا نستسقي إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا)).
ثم إن الدعاء والتضرع إلى الله يجلب المرغوب، ويرفع البلاء ويدفع المرهوب، فهؤلاء قوم يونس لما كذبوه وغشيهم عذاب الله صعدوا على مكان رفيع وجأروا إلى الله بالبكاء وفرقوا بين كل بهيمة وولدها فرفع الله عنهم عذابه بعد ما غشيهم العقاب ورأوا أنهم أحيط بهم فأنزل الله فيهم:(( فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين)) سورة يونس.
كل هذا لم يمنع المرجفين من شذاذ الآفاق وعبدة الماديات ومرضى القلوب من التهكم والغمز واللمز في شعيرة من شعائر دين الله الحنيف، يقينا منهم بالأسباب، وضعفَ يقينٍ بخالق الأسباب، ومنزل السحاب. لكن كل آفة إنما سببها الجهل فما رأيت من هؤلاء الذين ابتلانا الله بهم هذه الأيام مشتغلاً بعلم، ولا متفقهاً في شرع، ولا خبيراً بعلوم العصر بل وجدتهم في مجملهم ما بين النطيحة وما أكل السبع متخلفي العلم والتحصيل، وإن ادَّعوا تقدمية النظر وبسط الأفق، وقد قعدوا مخلَّفين متخلفين، فلا هم خرجوا ليستسقوا مع جمع المسلمين، ولا هم اتخذوا الوسائل والآليات "المادية" للحد من القحط بل اكتفوا بالاستهزاء والسخرية والغمز والهمز لكل ما مد للإسلام بصلة، فتشابهت قلوبهم وأقوالهم بقلوب وأقوال أسلافهم حين سعوا في المسلمين إرجافا وترهيبا لمَّا غزوا أكبر امبراطورية في العالم وقتها فقال بعضهم لبعض: ((أتحسبون جلاد بني الأصفر كقتال العرب بعضهم بعضاً، واللّه لكأنا بكم غداً مقرنين في الحبال)). وقال بعضهم (( والله ما رأينا كقرائنا هؤلاء أرغبنا بطونا وأكذبنا ألسنة وأجبننا عند اللقاء)) فرُفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا معتذرين : (( إنما كنا نخوض ونلعب)) فأنزل الله فيهم: (( قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم)) فحكم الله عليهم بالكفر حين استهزؤوا بآياته رغم مسيرهم في جيش الجهاد وتحت راية الإسلام وأما أصحابنا فلم يطأوا ركاباً، ولم يألفوا كتاباً، فما أوغلهم في الذل والهوان! نورد هذا المثال توضيحا لخطر الاستهزاء بشعائر دين الله الحنيف وآياته ومقدساته ولعل قارئ يرعوي ويسمع، وليس تكفيرا ولا رغبة في إخراج أحد من ملة الإسلام بل نحرص على أن يكون كل الناس في دائرته مع أن الله يقول:(( وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين)) سورة يوسف. ولانرى أن من لم يبدع المبتدع فهو مبتدع مثله بل ندرأ ذلك بالشبهات -إن وجدت-، ولكن لن نسمح لأحد بالنيل من شعائر الإسلام والسخرية منها وإن تقنع بقناع النصح ولبس لبُوس التقدم.
والسلام على أنبياء الله ورسله وعباده المصطفين الأخيار.
كتبه المهندس. المعلوم يحي المعلوم