سؤال وجيه، لم يطرح من قبل، لكن جوابه العملي تكرر أكثر من مرة في واقعنا و في بلدان أخرى غير بلدنا المصون.كان الجواب دائما سريعا و حاسما: "شرع من قبلنا لا يصلح لنا"!هكذا تنُوسي حزب "الشعب" العتيد الذي هيمن على الحياة السياسية والإدارية قرابة عقدين من الزمن، وكان مؤسسه رمز الحكمة، و الحنكة، و الأبوة لشعب قلَّده كل أوصاف الزعامة!
ثم جاءت "هياكل تهذيب الجماهير" بمليشياتها و قضها وقضيضها؛ فاكتسحت الميدان و جرفت كل ما سواها، وكادت أن تحول البلاد والعباد لكوريا شمالية منغلقة و منعزلة تعبد "خير الرجال" و لا يكاد اثنان من ساكنتها، مهما تكن رابطتهما الدموية، أن يتفاتحا في شأن عام أو خاص خوفا من بطش أذرع الحاكم الفرد!و في يوم شتوي جميل، وكان العبد الفقير يلج باب كلية الحقوق لمحاضرة مسائية تلقاه طالب يمني مبشرا : هيدا الل سقط..هيد الل سقط!و كان ذلك السقوط مدويا لم يصدقه حتى المنقلبُ عليه فجاء يستيقن جلية الخبر بنفسه! فكان ما كان مما نذكره جميعا!و دارت الأيام، وتآكلت الهياكل و لاقت مصيرها المحتوم لتُدرج في خانة أحزاب الرعب و التنظيمات البدائية التي لا نسب لها في علم السياسة، و إن أمكن إلحاقها بقائمة المليشيات التي تحدث عنها فقيه العلوم السياسية و مؤلف كتاب "الأحزاب السياسية" (موريس ديفرجيه) الذي كان للمفارقة ضمن مقرراتنا الدراسية لتلك السنة!
و بعد مخاض طويل نسبيا، وفي غمرة التحولات التي شهدها العالم مطلع التسعينات من القرن الماضي ولد ذلك المولود المخضرم الذي أخذ من كل مذهب سياسي بطرف: ولد "الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي"، ولم يلبث أن استهل ناطقا متجاوزا سن الطفولة بسرعة قياسية فشب عن الطوق، كامل الأوصاف والبنيات!
و سار زمان هذا الربع على إيقاع الحزب المهيمن الذي تعايش مع أحزاب أخرى تشكلت بموازاته و حاولت أن تسابقه لكنها ما لبثت أن أسلمت القياد؛ بل لم يلبث ساكنتها أن تتسللوا واحدا تلو الآخر نحو الحزب ذي المنافع الأربع: التعيين- المال-الزعامة - النفوذ!
و إن أنس لا أنسى أبدا ذلك السؤال المعضل الذي طرحه أخ لنا في جمع من أطر الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي و أسوقه كما طرحه بلغته الأصلية: qui, entre nous ici présent va défendre demain le passif du PRDS ? ( من منا نحن الحضور سيكون مستعدا غدا للدفاع عن الحصيلة السلبية للحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي)؟
كان سؤالا معضلا بكل المقاييس، و لا أذكر مما أذكر أن أحدا من جمعنا الموقر تصدى للإجابة بأكثر من الاستغراب المشوب بالحذر!
و اليوم يعيد التاريخ نفسه؛ فها نحن أمام وضع شبيه بكل الأوضاع التي عاشها جيلنا الممتحن بالصبر و الابتلاء: حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية" الذي قام على أنقاض الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي و حاول أن يحاكي أحزاب ما وراء البحار على الأقل في تسميتها، هذا الحزب الموجود منذ أشهر في غرفة الانتظار يكاد يواجه نفس المصير،و إن كانت محاولات إخراجه من قاعة انتظار المجهول تجري على ساق واحدة على الأقل!
رباه! لا أريد أن أستبق المجهول لكنني أشك شك الموقن بأن فترة صلاحية حزب الاتحاد من أجل الجمهورية توشك أن تنتهي؛ بل يجب أن تنتهي، و لن يجدي نفعا في إعادة ماكينته للعمل ما يتقنه تجار الجملة من استبدال تاريخ الصلاحية بتاريخ "مدموغ"!!