منذ إعلان الرئيس محمد ولد الغزواني ترشحه لانتخابات رئاسيات 2019 وبعض المراقبين للشأن العام والمشاركين في الفعل السياسي وحتى المتطفلين عليه يناقشون في "الصالوهات" والفضاءات العامة مسألة استقلال الرئيس غزواني في اتخاذ القرارات عن رفيق دربه السيد محمد ولد عبد العزيز.
وقد انقسموا في ذلك بين فئتين - مع استثناءات قليلة – فئة تتوقع من الرئيس غزواني بل وتريد منه أن يقلب الطاولة على رجال النظام السابق – من القمة إلى القاعدة- ويصفهم بأبشع ما يوصف به من تجاوزتهم الأيام، كما كان يفعل جل الرؤساء الذين قادوا الدولة الموريتانية منذ إنشائها، متناسين المثل القائل بأنه قد يرحل- إن اقتضت الضرورة – عن الديار من لم يحرق الزرب، وأن الرئيس غزواني يعترف لكل رئيس على حدة بوضع لبنة ما بحجم ما في بناء الدولة الموريتانية.
وفئة أخرى ترى في الرئيس بوادر استمرار نهج العشرية المنصرمة، وتحاول جاهدة طمأنة شعبيتها بأن ما حصل ليس إلا إجراء شكلي، وأن النظام السابق باقي وأن الجديد استمرار لما سبقه.
وقد راهن الجميع على تشكيل الحكومة الذي كان مفاجئا للجميع، ولم يكن بمقدور المراقبين والصحافة معرفة رئيس الوزراء أحرى أسماء الوزراء كل على حدة، والتي كانت في النهاية حكومة كفاءات – خالية من الأوجه السياسية المستهلكة – لا تعزز وجود طرف على آخر.
وقد ازداد الأمر تعقيدا بعد أن أصبحت الحكومة واقعا يجب التعامل معه وازداد تعقيدا أكثر بسبب عدم ظهور الرئيس وابتعاده عن وسائل الإعلام وحذف التلفزة الموريتانية بيانها – غير الموفق – من صفحتها على الفيس بوك، وحذف وسائل الاعلام الرسمية تصريح الناطق الرسمي باسم الحكومة الذي أحدث ضجة في وسائل التواصل الاجتماعي.
وبالرجوع إلى أسباب هذه الضبابية في المشهد السياسي الحالي نلاحظ أن سببها الرئيسي – إن لم يكن الأوحد- هو توقع الجميع من غزواني اتخاذ قرارات عاطفية، فبالنسبة للناقمين على العشرية يرون أن الحل الجذري للوضعية السياسية يكمن في محاسبة رجال النظام السابق وتابعيهم، وعزل ما بقي منهم في الحكومة الحالية، أما أصحاب الطرف الآخر فيتمنون العكس تماما تماشيا مع مصالحهم وحماية لمراكزهم.
والحقيقة – في نظري- أن الرئيس غزواني العارف بمفاصل الدولة والذي ظل قريبا من مراكز اتخاذ القرار طيلة مساره الوظيفي، يدرك أن إخفاقات الأنظمة السابقة تكمن – غالبا- في ميل القائد على طرف معين أو اصطدامه بطرف آخر، فعلى سبيل المثال كان ميل الرئيس السابق السيد سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله على المعارضة سببا في تأزيم الحياة السياسية إبان فترة حكمه مع أسباب وعوامل أخرى بطبيعة الحال، كما كان اصطدام الرئيس السابق السيد محمد ولد عبد العزيز بمعارضته في الخارج سببا رئيسيا في أزمة مجلس الشيوخ التي تعتبر أكبر أزمة في التاريخ السياسي الموريتاني - شيوخ يتعهدون للرئيس بالتصويت له ويصوتون ضده -، ويدرك أكثر من ذلك وهو – يقول العارفون به - الرجل الغامض الهادئ الرزين الذي يحسب لكل خطوة يخطوها الحساب الكافي لها، أن القرارات العاطفية لا تليق بالقادة، وأن القرارات يجب أن تراعى فيها المصلحة العامة أولا وأخيرا، وقد كرس الرئيس الراحل المرحوم المختار ولد داداه ذلك باستقباله في 22 ديسمبر 1963 للسفير الفرنسي " جان افرانسو دينو " الذي أرسلته الإدارة الفرنسية للإطاحة بالرئيس المختار الذي كان على علم بذلك كما قال في مذكراته، ولم يتخذ قرارا في حقه بل أخبر السفير عندما قدم له أوراق اعتماده بأنه على علم بما أرسل له.
لهذا كله أعتقد جازما أن الرئيس غزواني الذي يسعى لوضع لبنة ما في بناء الدولة الموريتانية لن يميل على أي طرف ولن يتخذ أي قرار عاطفي، بل سيظل كما كان محبا للعمل حد التفاني، محافظا على ما حباه الله به من قبول بين الناس مؤمنا كل الإيمان بأن: " الدول لا تسير بالعواطف " وأن: " الزبد يذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ".
المستشار القانوني : محمد كونين " تلميذ موظف في المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء "