حين أعلنت قيادة حزب الوئام فى مؤتمره الاستثنائي الملتئم فى العاصمة نواكشوط بتاريخ 29 أكتوبر 2018 بحضور مناديبه من مختلف الولايات، المصادقة على توصيات المجلس الوطني للحزب باندماج الحزب "مع" حزب الاتحاد من الجمهورية، رد رئيس الحزب الحاكم منتقيا -وهو القانوني والسياسي المحنك-الفاظا تضع الحدث فى سياقه:" أن أبواب حزب الاتحاد مفتوحة أمام منتسبي حزب الوئام وأن المؤتمر القريب القادم لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية سيكون فرصة للمشاركة في المسؤوليات..."
من لحظة ذلك الإعلان ظهر التباين فى تفسير ما تم بين رئيس الحزب الحاكم وقيادة حزب الوئام التى أطلقت على مؤتمر إعلان الاندماج ذاك باللغة العربية مؤتمر " التموقع " مع أنه ليس تماما الترجمة الحرفية ل (Repositionnement)؛ حيث يناسب وجود (Re) إضافة عبارة (إعادة) للفظة العربية المقابلة (التموقع)
ستكشف الأيام أن انتقاء قيادة حزب الوئام لشعار مؤتمره ذلك كان فى محله؛ فالأمر لم يكن عدم توفيق فى الترجمة، بل جاء تعبيرا عن طموح باعتلاء عرش الحزب الوجهة.
سعي للتموقع ليس للحزب مقابل يدفعه لحزب الاتحاد من أجل الجمهورية حتى يقبل به.
يدرك الاتحاديون أن الأمر لا يتعلق باندماج "بين "، بل باندماج "فى" أو بعبارة أدق "انضمام ".
ويدركون أن الأمر القانوني رقم 91-024 المتعلق بالأحزاب السياسية لم يبوب على الاندماج بين الأحزاب مطلقا، وحصر حالات زوال الأحزاب القائمة فى:
-الحل الاختياري
- أو طبقا لنظامها الداخلي
-بالإضافة للحل العقابي الذي يكون بمرسوم صادر عن مجلس الوزراء. (المادة23/ف1)
-والحالة الخاصة بالحل بقوة القانون المطبق على الأحزاب التى تحصل على أقل من 1% من الأصوات المعبر عنها في اقتراعين بلديين، وتتم ملاحظته بمقرر صادر عن وزير الداخلية. (المادة 20 جديدة /ف 3)
وتبين (المادة 14/ف1) من ذلك القانون حدود التغيير المتصور أن يطال الأحزاب السياسية القائمة حين توجب:" أن يكون كل تغيير يحدث على مستوى القيادة أو الإدارة، وكذلك كل تعديل للأنظمة الأساسية وكل إنشاء لممثليات جهوية أو محلية جديدة موضوع تصريح وفق الإجراءات والشروط ذاتها المنصوص عليها فى المواد 9،8،7 من الأمر القانوني هذا ...".
ما يعنى وجوب:" أن يكون التصريح عن طريق إيداع ملف مقابل وصل " (المادة7/ف1)، وهو ما لا يمكن أن يتم على المطلوب نصا حالة الاندماج (بين) حزبين؛ يفترض أن يتأسس من اندماجهما حزب جديد، أو تعلق الأمر باندماج حزب (في) آخر؛ حيث يعنى ذلك حلا اختياريا من الحزب المندمج لنفسه.
ومعلوم أن القانون رتب على حل الأحزاب السياسية التمكين لنوابها من اختيار حزب سياسي يلتحقون به بشرط أن يكون ذلك الحزب ممثلا فى الجمعية الوطنية:"...يمكن أن يلتحق منتخبو الأحزاب التي تم حلها بأي حزب سياسي ممثل في الجمعية الوطنية، على أن لا يؤثر ذلك على نتائج الحزب المذكور." المادة (20 جديدة /ف 4) من الأمر القانوني رقم 91-024 الصادر بتاريخ 25 يوليو 1991 المتعلق بالأحزاب السياسية، المعدل، وحتى لو لم يبوب القانون على حالة استقالة الحزب السياسي من التحزب، لكن المتصور أن ترتب أن يكون أمر النائب بيده.
"التموقع" الذي سعت قيادة حزب الوئام لتحقيقه بالانخراط في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية لم يعد مجديا بعد تراجع مكانة حزب الاتحاد نفسه بفعل وجود رئيس للجمهورية ترشح خارج يافطة الحزب،
طبيعي والحال كذلك أن تلجأ قيادة الحزب بدل "التموقع " لطريقة "المقلاع" التي ألفتها؛ حيث تأخذ من التراجع للوراء قوة دفع توصلها قبل المنطلقين مبكرا نحو كل واصل جديد للسلطة: (آخر المنطلقين وأول الواصلين)
جربت ذلك حين كانت آخر من يعلن التمسك بكل رئيس ينقلب عليه، لتكون في نهاية المطاف أقوى الداعمين لمن نفذوا الانقلاب عليهم.
مع النظام الحالي -قيد التشكل-لن يتأتى لرئاسة حزب الاتحاد من الجمهورية أيا تكن تشكيل كتيبة برلمانية قادرة على خلق أي نوع من التوازن مع السلطة القائمة، لأن الوزن الذي حظيت به سابقتها لم يكن بفعل قوة البرلمانيين المشكلين لها، بل بوجود (صاحب الحبل) الذي كان يطمئن أولئك الأشاوس كلما ارتعدت فرائصهم من قيام رئيس الجمهورية بحل البرلمان وتسريحهم بقوله :"إلين اعدلها اندير لحبل فرقبتو).
كذلك مع هذا النظام -قيد التشكل-على خلاف ما جرت به العادة لا تنتج الموالاة ذات التأثير حيث لم تنل الأحزاب والشخصيات التي تخلت عن معارضتها وأعلنت دعمها غير المشروط، الحظوة في ما تم من تعينات حتى الآن.
أما طريقة المقلاع المجربة قبل هذا النظام -قيد التشكل -فلن تولد ذات الزخم والدفع لسبب بسيط؛ أن وتر القوس هذه المرة لا ينفصل عن زناده.
أحسن طريقة للتعامل مع هذا النظام -قيد التشكل-قبل تجريب طريقة جديدة، هي (الانتظار والتمعن)؛ فالهويات التي تخلع عليه حتى اللحظة تعود لأحكام مسبقة، تمنيات، إسقاطات أو مخاوف ... قد لا يكون لها من وجود خارج أذهان أصحابها.