كثيرا ما يطرح إشكال فساد التعليم في موريتانيا في النقاشات السياسية-الإعلامية بأسلوب خاطئ في الغالب لكونه ينطلق من إدانات صريحة مسبقة للقائمين على التعليم وتصويرهم دوما على أساس أنهم جزء من المشكلة أو هم مصدر المشكلة مشكلة فساد التعليم، وما ذاك إلا لكون أغلب النقاشات لا تغوص بشكل واضح في صلب المعضلات التي تقف وراء فساد التعليم، وتظل بدل ذلك تدور في حلقة مفرقة ضمن ثرثرة إعلامية لا يفقه أصحابها عن التعليم إلا مقدار ما يعلمون عن إصلاحه، والنتيجة المترتبة على كل ذلك هي بقاء التعليم وأهله دوما قيد التهميش والإهمال، مع العلم أن العوامل التي تقف وراء فساد التعليم وركوده معلومة لا تخفى على القاصي والداني، وحسبنا نذكر منها هنا ما يلي:
1-الازدراء الممنهج بالمدرسيين الذين لا ينظر إليهم إلى بوصفهم الحلقة الأضعف والمهملة في قائمة الموظفين، الأمر الذي يظهر جليا في التدني الملحوظ لرواتبهم التي لا يمكنها البتة تلبية حاجياتهم الضرورية، ومع ذلك يَهْذي البعض بضرورة قطعها في العطلة الصيفية التي يسترد فيها المدرسون أنفاسهم على خلفية الجهاد المضني.
2- الامتزاج بين التعليم والسياسة، بحيث صارت الأخيرة هي التي تتحكم في التعليم وتوجهه أنى شاءت، في الوقت الذي كان ينبغي أن يكون التعليم خارج دوامة التجاذبات السياسية ومتعال عليها.
3-عدم إشراك أهل التعليم في التفكير ورسم الخطط الإصلاحية المستهدفة للتعليم، وتغييبهم عن عمد، وذلك هو السر الوحيد الذي يقف وراء تعثر بل وفشل الكثير من الخطط الإصلاحية للتعليم، فالدولة غالبا ما تحاول تقديم أفكار معلبة يجهل فحواها المشرف عليها والمستهدف بها.
4- اضطراب البرامج التربوية التي لا تثبت على حال، فتارة مفرنسة وتارة معربة، لكن الضحية في كل هذا هو التلاميذ الذين ضاعت أحلامهم جراء هذا التطواف بين البرامج المستوردة.
5- التساهل في التقويم والامتحانات التي أصبحت سهلة الاجتياز حين صار معدل 8 يسمح لصاحبة بالتجاوز إلى القسم الأعلى، وهذا ما كان بعيد المنال فيما مضى.
تلك أهم الأسباب حسب وجهة نظري المتواضعة التي تقف حجر عثر أمام إصلاح قطاع التعليم في بلادنا وما لم يتم التعامل معها بحزم وجدية لن يتسنى لنا إخراج هذا القطاع من الأزمة المزمنة التي يعاني منها.
فأول خطوة لإصلاح التعليم بالنسبة لنا تبدأ بالاهتمام بالقائمين عليهم بزيادة رواتبهم زيادة معتبرة من شأنها أن تساعدهم على الاندماج في المجتمع والمساهمة كغيرهم من الموظفين والاستفادة من ثروة وطنهم الوافرة، فكل البرامج والخطط التي يتم اتخاذها للتعليم ستبوء بالفشل ما لم تتضمن قرارا شجاعا بزيادة مرتبات المدرسين.
أما الخطوة الثانية للإصلاح هي فصل التعليم عن السياسة وإسناد رسم الخطط والإصلاحات المستهدفة للتعليم لمجموعة من خيرة القائمين عليه الموجودين في الميدان وليس لأولئك الذين ابتلعتهم الوزارات في أحشائها ولم يعودا يعانون مما يعاني من المدرسون الذين ما يزالون يكتوون بنار التهميش والحرمان، ولا للمفتشين حصرا مع ضرورة إشراكهم في القرار وليس انفرادهم به، والخطوة الثالثة هي ضرورة رسم برنامج تربوى ثابت معرب صرفا لمن شاء ومفرنس لمن شاء فاللغة ليست عقبة أمام أي كان ورسم خطة محكمة للتقويم والامتحانات تقضي بأن لا يجتاز أي تلميذ ولا طالب بما يقل عن 10/20 والقضاء المبرم على النجاح غير المستحق الذي بات ساري المفعول في امتحانات التجاوز وفي بعض الامتحانات الوطنية، إضافة إلى ضرورة إنشاء بنية تحتية راقية من شأنها أن تخفف من غلواء الاكتظاظ الذي يحد من جودة التعليم.