رؤية استراتيجية لتنمية الأوقاف في موريتانيا / د. سيدي محمد محمد المصطفى

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين.

 سبق وأن كتبت عن المؤسسة الوطنية للأوقاف في بحث علمي بعنوان (النظام القانوني لإدارة الوقف تجربة موريتانا) وفي ورقة علمية أخرى عن (عن الأوقاف في موريتانيا الواقع والآفاق) وهنا سأتطرق إلى أهمية الأوقاف، وإلى جملة من الإجراءات ستعين على تنمية القطاع والاستفادة من قدراته

 

أهمية الأوقاف

لقد اشتهر الوقف بين الصحابة وانتشر حتى قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه "ما أعلم أحداً كان له مال من المهاجرين والأنصار إلا حبس مالاً من ماله صدقة مؤبدة، لا تشترى أبداً، ولا توهب، ولا تورث" وعند ما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه (إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها) تأسس بذلك ركن اقتصادي تنموي حضاري كبير، يدر على المرافق والخدمات العامة للمجتمع الكثير من المال، ويسهم في الرعاية التعليمية والصحية والخيرية للأفراد والمجتمعات سواء تعلق الأمر بالأمن المائي: "كعين زبيدة" أو بالأمن الغذائي: "مزرعة بيرحاء" أو بالأمن الاجتماعي: كوقف عبد الله بن الزبير "للمطلقات".

  • وفي مجال التعليم والبحث العلمي: عرفت الجوامع والمدارس الوقفية كجامع الزيتونة، ومكتبة السليمانية، وجامع الأزهر، والمدارس الوقفية التي بناها صلاح الدين الأيوبي في مصر، ودمشق، والموصل، وبيت المقدس، وما قام به الوزير نظام الملك في بلاد العراق وخراسان من بناء المدارس الوقفية حتى قيل: إنه في كل مدينة من العراق وخراسان مدرسة، وكان كلما وجد في بلدة عالماً تميز وتبحر في العلم بنى له مدرسة ووقف عليها وقفاً، وجعل فيها دارا للكتب، وفي بلادنا عرفت المساجد التاريخية ومنها جامع ولاته العتيق (50ه/670م) والمدارس الوقفية المعروفة بالمحاظر منذ الدولة المرابطية (472ه/1079م) حين انتدب واجاج بن زلو اللمطي تلميذ عبد الله بن ياسين الجزولي، وإلى الآن.
  • وفي المجال الصحي: المستشفيات أو ما يعرف ب"البيمارستانات" وقد أوصلها المؤرخ أحمد عيسي في كتابه تاريخ البيمارستانات في الإسلام، إلى مئات المستشفيات الوقفية، ومنها وقف نور الدين زنكي لعلاج الفقراء.

لذا أصبح دور المرفق الوقفي في تحقيق المنافع العامة مطلب تتجه لتلبيته الجهود والدراسات والأبحاث، وفي محاولة للاستفادة من إمكاناته الواسعة، واستعادته للدور التاريخي الذي كان يؤديه في المجتمعات والدول عبر العصور المختلفة، وتماشيا مع برنامج فخامة رئيس الجمهورية محمد ولد الشيخ الغزواني في تنمية الأوقاف وعصرنة القطاع، سأتطرق إلى أهم التحديات التنظيمية والتشغيلية وإلى جملة من الإجراءات ستمكن من تطوير هذا القطاع الحيوي.

 

التحديات التنظيمية

من حيث الأنظمة: قصور الأنظمة والتشريعات التي تنظم قطاع الأوقاف، أو إنشاء الوقف أو

إدارته، أو ما يضمن به الالتزام بهذه التشريعات، كالمرسوم رقم (119/ 1982م) القاضي بإنشاء "مكتب الأوقاف الموريتاني) والذي كان موضوعاً لعدة تعديلات بموجب المرسومين الصادرين على التوالي (1984-1997م) والمواد الثلاث (816-818) من قانون الالتزامات والعقود والمتعلقة بأحكام الوقف.

 

من حيث الرؤية: الحاجة إلى حو كمة القطاع وتحديد معايير واضحة ومحددة للإشراف على

الأوقاف العامة والخاصة تحدد الحد الأدنى من متطلبات التقارير المالية والإدارية، وتمكن المؤسسة من الإشراف الفعلي على الإدارة لمتابعة تصرفات النظار وضمان تحقيقهم المصلحة لصالح الوقف والتزامهم بشروط الواقفين.

 

من حيث الوعي: مستوى متدني من الوعي بأهمية الأوقاف، ودورها الاجتماعي والاقتصادي،

والنظرة العامة السلبية حيال دور المؤسسة الوطنية للأوقاف في إدارة الأعيان الموقوفة وإنفاق عائداتها إن وجدت.

 

التحديات التشغيلية

ومن شأن هذه التحديات أن تؤدي إلى ضياع الفرص وتحد من المساهمة في تلبية احتياجات المجتمع ومن هذه التحديات:

أولا: محفظة الأوقاف:

  1. الأعيان الموقوفة: تشكل الأراضي غير المستصلحة والمباني البسيطة حوالي ( % 90 ) من المحفظة الحالية للأوقاف العامة التي تشرف عليها المؤسسة حسب المصادر مما يحد من مرونة استثمار هذه الأوقاف
  2. عصرنة القطاع: غياب البيانات المكتملة حول عدد الأعيان الموقوفة، أو قيمة الأصول، أو الغلال، أو المصارف، وقصور استخدام التقنية، مما يستدعي وجود نظام معلومات إلكتروني خاص بالأوقاف.
  3. أنواع الواقفين: معظم الواقفين هم من الأفراد، الأمر الذي ينتج عنه عدم استغلال قطاعات كبيرة من الواقفين المحتملين كالمؤسسات والهيئات الخيرية.

ثانيا: إدارة الأعيان والاستثمار:

  1. القدرات البشرية: الافتقار إلى القدرات البشرية اللازمة للوفاء بكل المسؤوليات التي تتضمنها مهام المؤسسة كفريق الاستثمار، ومجلس النظار.
  2. إدارة الأداء: غياب الحافز لإدارة الأوقاف على الوجه الأمثل، وعدم وجود مؤشرات أداء واضحة، أو إدارة واضحة لأداء الموظفين.
  3. استراتيجية الاستثمار: عدم توافر استراتيجية واضحة لتوجيه عمليات الاستثمار، كاستغلال النقد المتوفر.

ثالثا: برامج الإنفاق:

  1. المصارف: تركز مصارف الأوقاف على الاحتياجات الدينية والاجتماعية وعدم شمولها

لقطاعات عامة أخرى مما يحد من تأثير الوقف على التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

  1. اختيار البرامج: عدم استهداف البرامج لأهم الاحتياجات وتركيزها فقط على المساعدات الخيرية.

 

توصيات ختامية

 

ولتحقيق استراتيجية تضمن نمو الأوقاف وتضمن دورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية أقترح الإجراءات التالية:

  • وضع تشريعات مرنة تلائم الاحتياجات الراهنة.
  • تعزيز الرقابة والشفافية.
  • تطوير العمل الوقفي والتوعية بأهمية الأوقاف.
  • تقديم منتجات أوقاف جاذبة تحفز على نمو وتنوع محفظة الأوقاف.
  • زيادة معدلات العائد على استثمار الأوقاف العامة.
  • إنفاق متنوع لغلال الأوقاف من خلال برامج عالية الأثر.

 

والحمد لله رب العالمين.

 

 

 

أستا القانون والفقه المقارن

د. سيدي محمد محمد المصطفى

28. أغسطس 2019 - 9:23

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا