من بين جيوش دول الساحل الخمسة المنضوية تحت قوة مجموعة الساحل الخمس G5 Sahel في الحرب ضد الارهاب (بوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والنيجر وتشاد)، يبرز الجيش الموريتاني بشكل خاص نظرا لما يمتاز به من قوة وجاهزية قتالية جعلت من وحداتنا المشاركة في القوات الدولية في وسط إفريقيا وفي مالي محط الاعجاب والثناء من الأمريكيين والفرنسيين ومن هيئة الأمم المتحدة.
ويعود الفضل في ذلك بطبيعة الحال إلى الاستراتيجية العسكرية المتبعة من طرف الجيش الموريتاني حيث قام بتشكيل مجموعات تدخل خاصة [GSI] يقودها ضباط شبان يتمتعون بروح قتالية وهجومية عالية. كل ذلك دون إهمال الجانب الاستخباراتي في جمع المعلومات الموثوقة عن العدو مع حرية في الحركة والتنقل عبر الحدود الموريتانية المالية بل وداخل الأراضي المالية بالتنسيق مع هذه الأخيرة.
لكن دور الجيش الموريتاني في الحرب ضد الإرهاب لم يقتصر على العمليات العسكرية بل تجاوزها بالمشاركة في جهود التنمية المحلية بتقديم بعض الخدمات الحيوية للسكان المحليين الذين يعيشون ظروفا صعبة في مناطق معزولة ونائية.
لقد كان لأداء الوحدات الموريتانية دور مميز شهد بفاعليته جميع الشركاء الدوليين والمستفيدين المحليين سواء في جمهورية مالي المجاورة أو في جمهورية وسط أفريقيا. ومن الجدير بالذكر هنا أن الجيش الموريتاني يشارك بوحدات في عدة عمليات لحفظ السلام ضمن قوات القبعات الزرق التابعة للأمم المتحدة في ساحل العاج والسودان ووسط أفريقيا ومالي.
ولا شك أن كلية الأركان الحربية التي تم افتتاحها مؤخرا في العاصمة نواكشوط هي تعبير واضح عن مدى المصداقية التي يتمتع بها بلدنا في المجال العسكري.
لقد قررت موريتانيا بالفعل إنشاء هذه الكلية بسبب الحاجة، خاصة لتدريب كبار الضباط. ثم بعد بروز مجموعة الساحل الخمس قررت موريتانيا إتاحة هذا الهيكل للقوة المشتركة. ولا شك أن إخضاع قوات متعددة الجنسيات لتدريب مشترك سيزيد من تجانس وتنسيق هذه الجيوش. فيما يتعلق بتدريب هذه الكوادر العسكرية المستقبلية، كما سيتولى الضباط الموريتانيون مهمة التكوين في هذه الكلية.
وفيما يتعلق بفاعلية الوحدات الموريتانية في عمليات حفظ السلام ومكافحة الإرهاب في الخارج فإن التجربة الموريتانية التي أثبتت نجاعتها على المستوى المحلي حيث لم يتم الإعلان عن أي عملية إرهابية على كامل التراب الوطني منذ العام 2011، كانت هي الدليل الواضح على جاهزية الجيش الموريتاني الذي شكل بذلك رأس الحربة في محاربة الإرهاب في منطقة الساحل الصحراوي. ولا أدل على حيازة جيشنا لقصب السبق في هذا الميدان من الإجراء الذي اتخذه قادة دول الساحل الخمس بإسناد قيادة قوة G5 Sahel إلى جنرال موريتاني بعد عملية سفاري الإرهابية المعروفة.
عندما تولى الجنرال الموريتاني حننا ولد سيدي القيادة في سبتمبر 2018 خلفا للجنرال المالي (ديديي داكو)، كانت القوة المشتركة لمجموعة G5 Sahel في حالة سيئة. فقد تم تدمير مقرها الرئيسي، الواقع في بلدة سفاري في مالي، في يونيو 2018. كما أن القوة المشتركة كانت تعاني من ضعف الموارد المالية حيث أن مبلغ الـ 423 مليون يورو الذي تعهد به الاتحاد الأوروبي والمملكة العربية السعودية والإمارات والولايات المتحدة وفرنسا كان بطيئاً في الوصول. فبذل القائد الجديد جهود مثمرة من خلال تشغيل وحداته العسكرية وإقناع المانحين بالإفراج عن الأموال في أسرع وقت ممكن. والظاهر أن الجنرال حننا سعى إلى تطبيق نفس الاستراتيجية التي سمحت لبلدنا بالقضاء على الإرهاب حيث لم نتعرض لأي هجوم إرهابي منذ عام 2011 بفضل الله. وهذه الطريقة تعتمد على المرتكزات التالية:
- إنشاء شبكة محكمة للقيادة العسكرية
- فرض الانضباط والمهنية داخل القوة العسكرية
- ضمان وجود قوات دائمة في المناطق الحساسة
- توثيق الصلات بالسكان المحليين لكسب ثقتهم وتعاونهم
- وضع نظام استخباراتي فعال لجمع وتحليل واستغلال المعلومات الميدانية
وقد أكد الجنرال حننا في نهاية مأموريته أن هذه الأهداف قد تحققت بالفعل وهو ما يعني أن موريتانيا قد وضعت الآن قوة الساحل في وضعية مريحة تخول لخلفه الجنرال النيجيري (عمر ناماتا كازاما) مواصلة العمل على نفس المنوال. ولا شك أن الخبرة التي يتمتع بها كبار الضباط في الجيش الموريتاني قد كان لها الفضل بعد الله تعالى في إنجاح المهمات العسكرية التي أسندت إلى جيشنا الوطني في نقاط ساخنة من العالم. لو ألقينا نظرة فاحصة إلى سيرة الجنرال حننا ولد سيدي كنموذج أو مثال حي لأدركنا السر في الثقة التي يتمتع بها جيشنا في نظر شركائنا الدوليين. في معرض تقييم أداء الدور الموريتاني في قوة الساحل تذكر بعض المصادر الأوربية أن اختيار الجنرال حننا ولد سيدي كان موفقا إلى أبعد الحدود. فقد عرف عن هذا الضابط السامي بعض الصفات الأساسية والجوهرية في هذا المضمار. حيث يصفه الأشخاص الين اشتركوا معه في العمل بأنه رجل يتسم بالنزاهة والحصافة والصلابة ويرى خبير في قضايا الأمن الأوروبي مقيم في نواكشوط أن الجنرال حننا لديه مصداقية حقيقية على المستوى العسكري فهو الذي تولى تنسيق قيادة الوحدات الموريتانية العاملة بموجب تفويض من الأمم المتحدة في ساحل العاج ووسط إفريقيا كما قاد الاستخبارات العسكرية في موريتانيا بالإضافة إلى قيادة مكتب الاستخبارات الوطنية. وهذا الجانب الاستخباراتي في خبرة الجنرال حننا ولد سيدي يشكل إضافة نوعية لقوة الساحل التي عانت كثيرا من ضعف الجانب الاستخباراتي في عملها الميداني ولذلك لا حظنا أن من بين الأهداف التي حققتها موريتانيا إبان مأمورية الجنرال حننا هو وضع نظام استخباراتي فعال لجمع وتحليل واستغلال المعلومات الميدانية.
لقد كانت مهمة ناجحة بكل المقاييس وضعت دولتنا في مقدم الدول الافريقية والعربية في مجال حفظ الأمن ومكافحة الإرهاب ولعل توشيح الجنرال حننا ولد سيدي من طرف رئيس دولة بوركينافاسو بوسام ضابط من درجة فارس مكافأة على الجدارة الشخصية والخدمة المتميزة، المدنية والعسكرية لهو أكبر دليل على كفاءة جيشنا الوطني ضباطا وجنودا.