جميل منصور رجلٌ بروبوكاندي ! / المهدي بن أحمد طالب

لاشك أن المتابع لبرنامج التلفزة الوطنية الذي بثته حول لقاء الأستاذ محمد جميل منصور يلحظ عُرسا سياسيا يلوح في الأفق بين نظام محمد ولد عبد العزيز -الرافض لإملاءات الآخرين - وحزب تواصل الذي يُظهر التمرد ويبطن المغازلات السياسية .

صحيح أن الشرخ السياسي بين النخب الموريتانية والوضعية الاقتصادية التي يعيشها غالب المواطنين تفرض على الجميع التنازل عن بعض المواقف بُغية الخروج من عنق الزجاجة المرحلية .

لقد ظهر الأستاذ جميل بأريحية تذكر المشاهد الزواج العرفي السابق بينه وبين نظام الجنرال إبان فترة حكمه الأولى ، حيث أظهر ـــ الأستاذ ـــ سياسة الصدر المفتوح دون تشنج ولا تضجر بل إن ابتساماته المتتابعة ونكته الدرامية بين الفينة والأخرى تعكس ما كان متوقعا من الخطابات الثورية التي يتقنها زميلاه ـــ النائب ـــ السالك ولد سيد محمود والأستاذ محمد غلام .

إن الأستاذ محمد جميل منصور لم يُجب على أي سؤال بشكل موضوعي وإنما غاص في تفاصيل الجزئيات متجاهلا صُلب الموضوع مُستخدما لغة فضفاضة تُذهل السائل فضلا عن المستمع .

لقد غطى الأستاذ جميل على ما كان سائدا وأدلى بمعلومة كانت غائبة عن الكثيرين وهي أن حزب تواصل حزب سياسي بامتياز، يضم شرائح وتوجهات فكرية مختلفة ، كما أنه حاول سد الثغرة والهوة بين الحزب (الإخواني ) وبين الحركات الأخرى (الصوفية والسلفية ) ، ولولا دبلوماسية ـــ الأستاذ ـــ السياسية لما استطاع معالجة هذه القضية بصورة ديناميكية .

ويبدو أن لأستاذ جميل أكثر خبرة في النواحي السياسية والعسكرية من النواحي الاقتصادية ، حيث حلل رؤيته السياسية بجلاء وناقش القضايا العسكرية بصفته كخبير عسكري متخصص في الدراسات الإستراتيجية ( إشكالية جمهورية مالي الأمنية وقضية الحركات المسلحة في شمالها ) ومن وجهة نظر أخرى قد يكون سبب عدم كلامه عن الناحية الاقتصادية هو إشراك زميله المتمرس والمتمرد ـــ النائب ـــ السالك ولد سيد محمود الذي اختار مواجهة النظام بعنف دون أبسط أدبيات الحوار ، حيث نسي السؤال وظل يصول ويجول في شغب أنسى الجمهور أريحية الحوار ـــ الجميلي ــ وأضفى على الجلسة لغة المناظرة وهو ما جعل ــــ الصحفي ــــ محمد تقي الله يذكره بزملائه ( ولد محم وولد ببانه ) الغائبين عن الجلسة .

إن ظهور ولد عمير وولد آبه على مائدة الحوار والنقاش التلفزيوني يوحي بأن الموضوع كان سيتخذ منحى أكثر عُنفا وأكثر شراسة لولا حِنكة الأستاذ جميل الذي حرص على استخدام لغة " المعلومية " بأنه مُطلع على الإعلام وعلى ما يدور في إعلام مُعارضي تواصل الحقيقيين ( البديل ) وهذا ما جعل ولد آبه يتراجع عن بعض أسئلته بل بات سابتا ساكتا مفضلا لغة الاستماع على لغة الكلام ، كما أن اختيار الأستاذ جميل للنائب السالك والأستاذ غلام يوحي بأنه كان مستعدا للمواجهة بعنف .

لقد حرص الأستاذ جميل على أن يكون رجلا ابروبوكانديا بحيث يتراوغ في الإجابة ويقدم المعلومة على شكل إحصائيات شيقة ، كما أنه تجاهل بعض القضايا كالرسوم المسيئة للرسول عليه الصلاة والسلام ، التي يرى البعض أن حركة (الإخوان ) لا تريد عموما أن تفسخ نكاحها مع الغرب ( الثورات العربية ) بردات فعل قوية تجعله يتقهقر قليلا في دعمها تحت يافطة محاربة الدكتاتوريات .

إن محاولة تقاطع السياسات بين نظام الجنرال عزيز (إذاعة القرآن الكريم ، المصحف الشنقيطي ) وحزب ولد منصور الذي ثار على نظام ولد الطايع بحجة محاربة الكيان الصهيوني يوحي بأن هدف الفريقين هو استثارة عواطف الجماهير ليس إلا ، وكسب أكبر عدد ممكن من الأصوات .

فإخوان مصر ـــ الجُدد ـــ الذين يشكلون مصدر الإلهام لباقي الحركات الإخوانية بدءوا في التطبيل والتطبيع مع إسرائيل " تحت الطاولة "بحجة احترام الاتفاقيات الدولية وعدم اختراقها ، وهذا ما جعلهم يحمون السفارات الأمريكية المحمية أصلا والمحصنة من عبث العابثين ، علما بأن منظري الحركة الأوائل ( سيد قطب والغزالي ) كان أسلوب تعاملهم مع الإدارة الأمريكية وأتباعها (السادات ) أشد وأعنف من انبطاح اللاحقين .

وعموما فإن أتباع محمد جميل منصور لا يعكسون أبدا أخلاقه ولا ثقافته ولا رزانته ، فهو رجل الدبلوماسية بامتياز، يستطيع مواجهة الجماهير واستنهاض همهم دون أن يقدح في أذواق معارضيه ، أما غالبية الرعاء فلا تتقن غير لغة خشبية مستوحاة من قاموس اللاسلم واللاحرب ، وترديد شعارات حمْساوية تجمع بين السيف والدم دون أبسط فهم قواعد اللعبة السياسية القائمة على شعرة معاوية بن أبي سفيان ومسك العصا من النصف .

إنها لغة الأتباع التي يظنون بها أن ذلك يوطد دعائم توليهم "للحق" وللحزب، لمآرب شتى ، تتفرع بهم سُبلا فجاجا كلٌ حسب ما تشتهي نفسه وقلمه ، لتصب جميعا في واد سحيق من الشتم واللمز الذي تبنوا نهجا يخالفه ويعاتبه ولعلهم تناسوا في أروقة الحزب وجمعياته نداءات سورة الحجرات والذكري تنفع المؤمنين !

انتصارات السالك على الصحافة ،دحض الحزب الحاكم ، الحنكة ،الشرف ، ألقاب صدّعت رؤوسنا في عالم الغيب الوهمي الذي لا نؤمن به إلا تسلية إنه ، الفيس بوك وبين الفيسيين ، أرضية المعارك الجديدة التي لا يثبت الله الأقدام عليها لما فيها من التنابز والحقارة التي تجعل البشر والوبر ريحا صرصرا في وجه القيم والأخلاق .

وفي الختام تتجلى عدة معالم كلها كالطود العظيم لا يكابر عنها مُكابر ولا يجحدها معاند ، نرسمها كالتالي:

ـــ أن الإعلام الرسمي يقف منزلة بين المنزلتين لا إلا هؤلاء ولا إلا غيرهم ،تجلي ذلك من الفِعال والأقوال مؤخرا .

ـــ أن الصحافة الموريتانية بدأت تلحظ تقدما مشهودا بيّنٌ ذلك جليٌ من لغة وأدبيات المقدم تقي الله الأدهم.

ـــ أن جميل دبلوماسي لا يثق بغيره في لغة الرد مع حرصه على تكوين أتباع يُمدونه في المستقبل ،ومع ذلك رزين يلعب على الأعطاف كما لو كان يُداعب أو يمالحُ ،أو يدرس درسا وعظيا باللهجة على طريقة المتبوعيين.

ـــ أنه يتودد بمضض للفرقاء السياسيين ،لاسيما الحزب الحاكم ،وهو ما لم يفصح عنه مخافة من.....وما لم يفهمهم الأتباع .

ـــ أنه يستبين طريقا (أي جميل) لمّا يتبينه بعدُ من علاقة العلامة "الددو" القديمة المتجددة بالرئيس عزيز والجنرال "غزواني" حين كانوا يبسطون له البساط الأحمر بالمطار ويستقبلونه في القصر ناصحا أمينا .

ـــ يتضح أيضا أن جميل لمّا يتخلي بعدُ عن الخطاب العاطفي الديني القديم بتقريبه وأشياعه من مختصر خليل أدني من غيرهم ، ومن الددو ومن الإصلاح والشرف ومحبة الخير.

ـــ أن جميل رأس والرأس لا يكون ذنبا ،فما هي مآلات مؤتمرهم القادم،وما مصير السالك وبقية القادة ؟؟؟

ــــ أن التلفزة والإعلاميين كانوا على قدر الاستضافة وكلٌ من موقعه تساوٍ بين الجميع.

ــــ أن العرس العُرفي بين جميل والجنرال تم قِرانه على مائدة حوار محمد تقي الله الأدهم.

كانت هذه لمحات كُتبت على عجل بُغيت توضيح ما خفي في ليلة زفاف سياسي فهل يا تُرى سيُعمّر هذا القِران أم سيلحق ببينونة الثلاث ؟ ومن من الفرقاء سيجعله عصمة نصارى على حد تعبير الأستاذ جميل ؟ أم هو الطلاق المستشري في قضايا اجتماعية وما التلفزة عن ذلك ببعيد هي ومذيعتها المقدمة؟

27. سبتمبر 2012 - 12:19

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا