حديثنا سيكون منصبا على مختلف حيثيات الموضوع ذي الشعب المختلفة والمتباينة ’ فليس ثمة إجماع على وصفة ثابتة للديمقراطية هذه الكلمة التي يعشقها كل إنسان ’ كما أنه ليس لها تعريف يمكن اختزاله ’ فهنالك أنواع شتى من الديمقراطيات على سبيل المثال لا الحصر : الديمقراطية السياسية والاقتصادية الخ فهي إذن مفهوم وواقع ونظام حكم متطور وصلت إليه البشرية لتنظيم شؤونها ’ لكنها في المقابل نظام متبدل ومتغير حسب الظروف والحقب وإذا ما حاولنا تعريفها ’ فهي نظام سياسي واجتماعي وثقافي مركب ومعقد ’ نظرا لتعقد الحياة البشرية ’ لأنها تعني حكم الشعب بنفسه ممثلا في البرلمان أو الدوائر الانتخابية’ فتكريس ثقافة الديمقراطية وترويجها يعتبران أمرين حيويين لا مناص منهما فلا يكفي فقط تلقين الديمقراطية للشعوب ـ حتى نكون ديمقراطيين ـ باعتبار أن الشعوب لا تقتات على الخبز وحده كما يقال ’ وإنما يتطلب الأمر تعريفهم بمقوماتها الضرورية والتي بغيابها تفتقد قيمتها ونكهتها ’ ومن هذه المقومات : الفصل بين السلط التنفيذية والتشريعية والقضائية ’ ولهذا لا يمكن تصور أي ديمقراطية دون الأخذ بهذه المقومات ’ بل لا يمكن تطويرها إلا عبر تفاعلها على الصعيد السياسي والاجتماعي .
ولعل من أهم تلك المقومات مفهوم المواطنة من المنظور الديمقراطي علما أنه ليست كل مواطنة ديمقراطية إلا أن المواطنة الحقة هي مقدمة للنظام الديمقراطي ’ وهو ما يحتم التساؤل : هل يجب تعميم ثقافة الديمقراطية قبل إقامة النظام الديمقراطي أم العكس ؟ أيهما له السبق في الوجود ’ إقامة النظام الديمقراطي وتعميم مقومات الديمقراطية ’ أم ثقافة الديمقراطية ؟ من باب نافلة القول انه لا يمكن ممارسة الديمقراطية قبل نظام ديمقراطي ودون تكريس المواطنة ’ وهذه الأخيرة هي الإمكانية الوحيدة لتجسيد سيادة القانون وباعتبار أن المواطنة تعنى الانتماء للوطن والأمة بعيدا عن سياسة التحالف ضدها مع جنجويد الأعداء هكذا إذن فغياب المواطنة يقوض من جدلية العلاقة القائمة بين المواطن ـ المجتمع المدني ـ الدولة الديمقراطية علما أنه في حالة غياب المواطن لا وجود للدولة ’ فتغيب مع ذلك السيادة والسلطة والمشروعية ذلك أن الدولة تتأسس على ثالوث : الشعب ـ السلطة ـ الإقليم ’ ولذا أدعو إلى أن تكون الدولة للجميع ’ متساوين في الحقوق والواجبات ’ بعيدة عن أن تكون دولة الأحلاف والجماعات أو الجهويات لأن ذلك يؤدي إلى حالة الاغتراب الماركسي ’ أي أن المواطن لن يكون يشعر بأنه ينتمي إلى تلك الدولة ’ نظرا إلى تخلى الدولة عن مسؤولياتها تجاه المواطنين وتقصيرها معهم فيتولد الحقد على الدولة متمنين زوالها واستعاضتها بدولة أو وطن آخر يقول ابن الرومي في الحنين إلى الوطن وهذا يمكن إسقاطه على واقعنا الراهن : أعوذ بحقويك العزيزين أن أري : مقرا بضيم يترك الوجه حالكا
ولى وطن آليت ألا أبيعه : و ألا أري غيري له الدهر مالكا
هكذا هو شأن المواطنة التي إن لم تسعفها الدولة وتعطها حقها فقد تتحول بفعل الظلم وكافة تمظهرات اللاعدالة إلى حالة الاغتراب الماركسي ة فالعدل أساس الملك و به تقوم الدول وتزدهر ’و بزواله تفنى الدول ويسومها العذاب والخراب والدمار مهما بلغت من التقدم والازدهار فهي آيلة إلى الانحطاط ’ ورجوعا إلى الوراء نقول إن الدولة التي تغيب فيها السيادة مآلها الزوال لا قدر الله ’ فالسيادة إذن المصدر الذي تستمد منه السلطة السياسية مشروعيتها ’ فهنالك علاقة جدلية بين سلطة الدولة والسيادة فهذه الأخيرة تحيل إلى الهيمنة والتحكم و بها يتقوم كيان الدولة انطولوجيا ’ وكما يطرح إشكال السيادة الاستقلال الذاتي في اتخاذ القرارات بعيدا عن أي أثر أو تأثير خارجي إلا أنه في ظل تنامي العلاقات الدولية وبروز ظاهرة العولمة الاقتصادية والسياسية يواجه المجتمع في سيادته تحديات جمة ظهر هذا مع تشكل القانون الدولي وان بدت دولة ما لا محدودة السيادة ’ إلا أن الاتفاقيات الدولية التي نشأ عنها القانون الدولي والمؤسسات الدولية الحقوقية جعلت من مفهوم السيادة الوطنية موضوعا للمساءلة وإعادة التأسيس ’ وهو ما تولد عنه مجموعة من التساؤلات ـ نترك حل طلاسمها للقارئ الكريم بغية التأمل والتفكير ـ فبأي معنى تتحدد السيادة كمصدر للمشروعية والمعقولية الممارساتية للسياسة أصلا ؟ وضمن أية شروط ومقتضيات أخلاقية وواقعية يمكن للسيادة أن تكون ضمانا لتوفر شروط عيش مشترك يحقق كونية الوجود الانسانى الضائع بفعل بطش الجلاد وقاهري الإرادة البشرية ؟؟
والسلام على من اتبع الهدى ونهى النفس الأمارة بالسوء عنى الغوي
ذ ـ السيد ولد صمب أنجاي