رأي حول دعوة اعتماد نظام الاقتصاد الإسلامي / د. حمودي ولد شيخنا ولد عالي

قرأت مقالا يدعو إلى تبني النظام الاقتصادي الإسلامي كبديل عن المعاملات الاقتصادية الشائعة خاصة في منظومتنا المصرفية، وتعليقا على هذه الدعوة وإثراء لهذا الموضوع الهام فاني سأدلي برأيي راجيا التوفيق والسداد.

في البداية أؤكد على حقيقة ثابتة لدينا جميعا وهي أن الشريعة الإسلامية بجميع أحكامها وتصرفاتها تهدف إلى مقاصد عامة تسعى من خلالها لتحقيق مصالح الإنسان وإسعاد الفرد والجماعة ، وبهذا تقدم النموذج الأمثل لتنظيم حياة البشر وضبط سلوكهم انسجاما مع الفطرة السوية .

هكذا جاء الإسلام وسطيا لا ليبرالي يقوم على الفلسفة الفردية المطلقة ولا هو اشتراكي بالمفهوم الذي يعطي الأولوية للمجتمع على حساب الفرد .إنما هو دين وسطي؛ ] وجعلناكم أمة وسطا[. صدق الله العظيم.

من جهة أخرى أشير إلى مسألة تتعلق بالنظام الاقتصادي الإسلامي تحديدا قبل أن أنبه لاحقا إلى مسائل أخرى مهمة .

إن الاقتصاد الإسلامي رغم كونه ماديا بطبيعته إلا أنه مطبوع بطابع إيماني قوامه الإحساس بالله وخشيته، ويرى أن المصالح المادية ليست مقصودة لذاتها وإنما هي وسيلة لتحقيق السعادة الإنسانية على اعتبار أن الدنيا مزرعة الآخرة والإنسان خليفة الله في أرضه.

 

تلك حقائق نؤمن بها ونعمل في حدودها وتمثل الجانب الثابت في النظام الاقتصادي الإسلامي الذي أقره القرآن والسنة، فالإسلام  حرم الربا (نمو رأس المال بدون تعب ).

الاسلام حرم الاحتكار (وهو ما يعني دعم فرص المنافسة )، و سعى إلى العدالة الاجتماعية ( نظام الزكاة )، كما أنه  أقر حزمة من القيم والأخلاق مثلت الضمانة الحقيقية للتوازن والاستقرار في العملية التنموية،لكن المتغير في الاقتصاد الإسلامي هو طريقة التطبيق والاجتهاد والترجيح ؛ وهي الأساليب والخطط والرؤى الاقتصادية العلمية التي يكشف عنها المجتهدون لإحالة وترجمة أصول وقواعد وخصائص الإسلام العامة إلى واقع معيش يراعي المقاصد ويحمي الثوابت.

 

وبالاحتكام إلى المرجعية المرنة التي حملتها خصائص النظام الاقتصادي الإسلامي ستتأكد لنا حكمة الشريعة و إعجازها. 

 

لقد تميز النظام الإسلامي بمجموعة من الخصائص منها أن:

-   نظام الاقتصاد الإسلامي  نظام إلاهي من حيث الأصل ووضعي من حيث النظام ؛

-  نظام الاقتصاد الإسلامي يجمع بين المصالح العامة والخاصة ؛

   -  نظام الاقتصاد الإسلامي يجمع بين الحاجات المادية والحاجات الروحية ، والكل وفق مقاصد وضوابط الشريعة الإسلامية.

.

وعلى الرغم من الإطار النظري الذي أقره الاسلام فاني أرى أن نظام الاقتصاد الإسلامي مطالب بتطوير وسائل المعاملات المالية وآليات الدفع حتى يقوم  بدوره الحضاري.

 

 وإذا كان بعض الباحثين يرجعون  تقصير النظام الاقتصادي الإسلامي إلى الآثار الاقتصادية التي خلفها الاستعمار في العصر الحديث ؛ حيث صيغت المعاملات وفق رؤى وخلفيات القوى الاستعمارية الغربية ، إلا أن المجتهد عندنا لم يعتمد آلية التأويل و الترجيح حتى تساير آليات وصيغ التمويل الإسلامي التحديات التي تطرحها العولمة وما تمليه من سرعة الاندماج والتداخل.

إذأً، في هذا المقام يتضح أن النظام الاقتصادي الإسلامي يتطلب جهدا مشتركا وإرادة أمة حتى يساعدنا ذلك على  تطوير الأعمال التجارية والاقتصادية ، و تكييف عمليات البورصة والبحث عن بدائل ليست جامدة؛ بدائل تتماشى وتحديات العولمة.

وبما أن المشكلة ليست في الشريعة إطلاقا لأنها صالحة لكل زمان و مكان- كما أشرت سابقا- فإنه على علمائنا ومثقفينا ومجاميع فقهنا الاهتمام بالاجتهاد والاستنباط في الحكم على الظواهر والمعاملات الاقتصادية حتى تكون هنالك صيغ تمويل قابلة عمليا للتطبيق لمواجهة التحديات العالمية التي نذكر منها *على سبيل المثال:

 

 - الموقف من البورصة والتكييف الفقهي للمعاملات البورصية؛

-  العمليات الآجلة؛

- العمليات العاجلة؛

- التعامل بالمؤشر البورصي (مؤشر حركة أسعار جميع الأسهم المتداولة ....الخ)

 

ملاحظة:

لاتفوتني صيغ التمويل الإسلامي الواردة  في أكثر من بحث تخرج مثل:( أسلوب المشاركة -البيع بالتقسيط- بيع السلم- البيع التأجيري ... الخ ).

 فهذه صيغ معلومة لكن يجب تطويرها وتكييفها وإخضاعها لتفكير اجتهادي تتلاقح فيه أفكار الجميع من خبراء متخصصين في الاقتصاد الوضعي، وعلماء وفقهاء معاصرين.

و في هذا الاتجاه يمكن أن نصل الى ناتج فكري إسلامي يخرجنا من إشكالات كثيرة وجمود قائم لا ينسجم أحيانا والشريعة ومقاصدها .

12. سبتمبر 2019 - 17:10

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا