في الأصل كانت حصانا من الخيول العربية النادرة، من سلالة جواد عقبة
ابن نافع الذي وطئت سنابكه ضفاف الأطلسي، واختار الاستراحة هنا على هذه الأرض، فتزوج
من فرس إفريقية سمراء، ومنها أنجب أسلاف جواد منسقية المعارضة الموريتانية..
صال الجواد وجال في سوح "النضال" وظهر بغرته البيضاء في
ساحة ابن عباس مشحونا بالكبرياء والعنفوان، وواجه بحمحمته أصوات القنابل الصوتية،
وصمد طويلا أثناء الاعتصام الأخير.. وعليه علق دعاة "الرحيل" كل
آمالهم..
حمل الجواد قادة المنسقية إلى كل شرب من الوطن، لم يتخل عنهم، ولم
يخذلهم، كان كأسلافه بحق.. ومرت أيام وأسابيع وتوالت الشهور سراعا كحبات المسبحة..
لكن الحصان الذي ولد في أرض جدباء لا يعيش إلا على الجدب، وتلك واحدة من الخصال
التي جعلت المنسقية تختاره لإكمال المشوار معها..
وحين انهمر الغيث مدرارا واعشوشبت نواحي الأرض الأربع، بدأ الهزال
يغزو جسم الحصان، حتى صار عبءا، وتحول من مركوب إلى راكب، وبعد أسابيع فوجئ الجميع
أن الجواد الذي كان يصول ويجول في بقاع الأرض، مسخ حمارا حرونا، يسقط على الأرض عند
أول نهقة، وظل على هذا النحو أياما قبل أن يتحول إلى أتان، بفعل نظرية
"الصعود إلى الهاوية" التي هي نقيض لـ"النشوء والارتقاء" عند
داروين..
اليوم غدت المنسقية- وهي تحاول أن تستجمع قواها من جديد، متوعدة
بمهرجان شعبي "حاشد" في نوفمبر القادم- في وضع لا تحسد عليه، بعد أن نال
الغيث المدرار من جوادها الأصيل، وحوله إلى أتان هزيل، وسقطت من أيديها كل الأوراق
التي فشلت في استغلالها الاستغلال الأمثل طيلة عام كامل من الخطابات والاعتصامات
التي ما إن تبدأ حتى تنهي في لمح البصر..
وانتهى المشهد بعد أن غادر الجمهور قاعة المسرح، وقبل أن يسدل الستار،
حول المخرج والممثلون خشبة العرض إلى حلبة للملاكمة، والتنابز بالألقاب، وتبادل
عبارات التخوين والتآمر والعمالة..
وتلك أسوأ خاتمة لقادة "الثورة" في زمن يسمونه مجازا عصر
الربيع العربي..