قد يكون من المتوقع أن يتيح التغيير في القيادة السياسية فتح المجال أمام تجريب مقاربة جديدة في تسيير أمور البلاد الاقتصادية والاجتماعية والحضارية...الخ، لكن هذه المقاربة تبقى مجرد محاولة تتأرجح بين الخطاب السياسي والتنظير وبين عالم الواقع حين تطبق عليه، وقد يحالفها الحظ بدرجة واسعة أو جزئية، وقد تكون كارثية تزيد الوضع الوطني تدهورا وتعقيدا.
وبمناسبة بروز قيادة سياسية جديدة في بلادنا برئاسة الرئيس محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الشيح الغزواني فقد انفتحت آفاق جديدة للتغيير الإيجابي.
اعتقد أن من بين التغييرات التي يمكن أن تكون لها انعكاسات مهمة الرفع المستعجل من القيمة الشرائية للمواطن، وتفعيل العمل الحكومي الميداني، وتشيع العمل الإنتاجي الداخلي عبر شبكة التعاونيات المحلية.
وهذا يتطلب حسب رأيي المتواضع مراجعة جريئة وجذرية لهيكل الدولة وأنظمتها التوظيفية والامتيازات حسب التصور التالي:
- مراجعة الرواتب التي جعلت من بنية الدولة وهيئاتها المختلفة مصيدة لاستنزاف موارد الدولة، سواء في القطاع المدني أو العسكري، ورئاسة الدولة وطاقمها الوزاري، ورؤساء المفوضيات والشرائك شبه الحكومية، والهيئات الانتخابية ..الخ، وهو ما يتعارض بشكل صارخ وعبثي مع حالة الفقر والبطالة والتفاوت في كل مستويات الحياة الوطنية، ومن هنا تبرز الحاجة إلى تقليص عدد الوزارات ودمج الهيئات المتخصصة بعضها مع بعض، وإلغاء الكيانات الشكلية التي أثبتت التجارب عدم جدوائيتها وعجزها المتكرر عن تحقيق الأهداف المسندة لها لأسباب مختلفة ..
- تحرير العمل الحكومي وعمل المؤسسات المقدمة للخدمات المباشرة من تسلط الكيانات الوسيطية والتدخلات الزبونية وجشع أصحاب النفوذ وحاشية القصر، التي ابتلى بها العمل الحكومي مع الأنظمة السابقة، فبات المواطن ضحية لها، تتقاذفه تلك الكيانات الدخيلة وكل واحد يلقي بالمسؤولية على شريكه، فتكونت حول كل مرفق وطني في مجال المواصلات والخدمات الصحية، والمراكز التابعة لشريكتي الماء والكهرباء، والإدارات المالية والتجارية ...الخ طبقة وسيطية تعمل في الخفاء والعلن، وتستغل الطبيعة البيروقراطية المعروفة لعمل مؤسسات الدولة لفرض هيمنتها وتدخلاتها الانتهازية.
- إعادة الحياة لشركة سونمكس التي قضت عليها أنظمة ما بعد ولد داداه بالتعاون مع البنك الدولي ومع بعض رجال الأعمال المتطلعين للثراء السريع.
فإذا كانت الدولة عندنا لا تزال دولة فاشلة تعيش على الضرائب والمكوس بدون فائدة ملموسة، إذ لا يزال شعبها محكوما عليه أن يأكل ويلبس ويتزود من خارج حدوده، ولا أمل ولو كان بعيدا يلوح في الأفق للخروج من هذه الوضعية، فإن أقل مجهود تقوم به الدولة إزاء مواطنها أن تخفض له الأسعار، كما فعل الرئيس المرحوم المختار ولد داداه بإنشاء شركة سونمكس، ولم يمد يده إلى جيوب مواطنيه في حرب الصحراء رغم حاجته الماسة لذلك، كأن يرفع مثلا أسعار بعض المواد الاستهلاكية الرئيسة.
فلنحي هذه الشركة من جديد ولنحمها بقوة القانون والدستور إذا لزم الأمر، ولتكن أسعار المواد الاستهلاكية الرئيسة ما بين 50 و 40 أوقية قديمة واللحوم ما بين 500 و 400. وذلك بفضل إلغاء تضخمات الرواتب والكيانات غير الضرورية والتخلص من زعانف الدولة الشاذة والامتيازات غير المقبولة ...
وقد يكون من الضروري مراجعة قوانين الردع لنجعل من اختلاس الأموال والممتلكات العمومية والتسبب في ضياعها وسوء تسييرها المتعمد واستيراد الأدوية المزورة ومغادرة الوظائف الحساسة وسوء خدمة المواطنين المتعمدة أعمالا ترقى إلى مستوى الخيانة العظمى وقد يستوجب بعضها عقوبة الإعدام.
لا شك أن هذه الاقتراحات تقف في وجهها عدة عقبات كالتزامات الحملة الانتخابية، وتشبث البعض بالامتيازات السائدة من باب الأنانية والجشع الإنساني، لكن الرئاسة للوطن تتطلب الشجاعة والتجاوب المباشر مع نبض الشارع، أو السير على الطريق المعهودة، القبول بالأمر الواقع، والاستسلام لضغط قوى الشر، وجعل البقاء في السلطة غاية فوق كل شيء.
- وفي مجال التعليم، فإنه من المعلوم إجمالا أن نظامنا التربوي يعاني من تدني مستويات المدرسين بسبب الاكتتاب المكثف للمتعاونين تحت وطأة الحاجة، والتفاوت بين مستويات التلاميذ خصوصا في مستوى حذق اللغة العربية والفرنسية، وضعف المستوى العلمي الناجم خن عدم التمكن من لغة التكوين الفرنسية، كما يعاني من التفاوت بين مدارس العواصم الجهوية ومدارس الداخل/الريف، وهناك اختلاف فاحش بين المدرسة الحرة والمدرسة النظامية، إذ باتت هذه الأخيرة مأوى لمن لا قدرة له على الالتحاق بالأولى، كما تعيش تحت وطأة الاكتظاظ ومسرحا لتوظيف المكتتبين عشوائيا. أصف إلى ذلك ضعف القدرة الشرائية للمدرسين واضطرارهم لمزاولة أعمال إضافية لسد الحاجات الأساسية.
وقد قامت الحكومة الجديدة بتغيير أفقي في هرم المنظومة التربوية بالفصل بين التعليم الأساسي والثانوي، وهو ما يستلزم تعدد في الوزراء والأمناء العامين والمستشارين ..الخ، مما يقتضي استنزاف موارد كان من الممكن أن توظف في تحسين أداء منظومتنا التربوية، بدلا من إحداث هذا التغيير في قاعدة النظام التربوي بالفصل بين إداراته الجهوية وتفعيلها ضمن الميدان الفعلي للممارسة التعليمية المباشرة...
إن إصلاح التعليم يتطلب حسب متصورنا التالي:
- استغلال الطاقات التربوية لدى مفتشيات التعليم الأساسي والثانوي في مجال التكوين المكثف والتأطير والرقابة، وتزويدهم بالوسائل المناسبة لذلك؛
- إشراك الأهالي في تكوين الطلاب بالتعاون مع المدرسين والسلطات التربوية من خلال ساعات إضافية للتغلب على ضعف مستويات بعض الطلاب من خلال تشجيعات مناسبة محمية من استحواذ المديرين،
- تزويد مدارس الداخل بالدعامات التربوية من مذكرات مدرسية وأدلة المسابقات والتمارين المحلولة، ويمكن أن يتم ذلك تحت إشراف الإدارة الجهوية والمفتشين الميدانيين، منا يمكن مساعدة التلاميذ على الاستفادة من التلفزة المدرسية الموجهة بمستويات التلاميذ الفعلية والانترنت لتوسعة معلوماتهم ومعارفهم؛
- العمل على حل مشكلة التعليم الحر وتوحيد الأسعار وتشجيع بعض المدارس أن تعمل كمدارس نظامية من خلال شراكة بينها وبين الوزارة لاستغلال مبانيها وطاقمها التدريسي، بل ينبغي للوزارة أن تؤجر أماكن خاصة في كل أحياء المدينة لتقريب التعليم من الأهالي وإعادة توزيع المدرسين حسب هذه المدارس المستحدثة؛
- مراجعة أساليب التقويم لتكون أكثر موضوعية وواقعية، فبعض مواد الإمتحانات –حسب معرفتي الخاصة - تعجز فرق التصحيح عن حلها إلا بعد جهد طويل، فكيف تقدم لتلاميذ لم يتوفر معظمهم إلا على تكوين هزيل؟ فينبغي أن توضع الامتحانات الفصلية والنهائية بشكل جماعي وبحسب أهداف تكوينهم الأساسية، حتى لا نجد طالبا يجد في اختبار فصلي درجة واحدة، وفي الاختبار الموالي يجد علامة قياسية، ويرجع ذلك إلى مزاج الأستاذ والأسئلة العشوائية غير المرتبطة بالتحصيل الفعلي للطالب.
- استحداث شهادة بكالوريا وطنية تمنح للطلاب الذين تابعوا في التعليم حسب مراحيله الثلاث بدون رسوب، ولكنهم لم يوفقوا في امتحانات البكالوريا بعد محاولتين، إذ من غير المعقول ومن غير الإنساني ومن غير الإنصاف والعدالة أن يخرج هؤلاء الطلاب من المدرسة خالين الوفاض وقد قضوا فيه زهرة شبابهم.