كشكول الحياة (8).. بين الكُتب (بـ) / محمد ولد إمام

النّجيب (أ): تعرفت إلى الكاتب المصري الكبير نجيب محفوظ عبر ثلاثيته الشهيرة، بين القصرين، قصر الشوق والسكرية، وقد أعجبتني أيما إعجاب، بعد ذلك اقتنيت أغلب أعماله وكانت في طبعات صغيرة ورخيصة تناسب طالباً في مثل ظروفي، ورغم أنني جئت مصر وهو فيها إلا أنني للأسف لم ألقه، ومن أفضل أعماله عندي ملحمة الحرافيش، حيث الحياة والتاريخ بكل تحولاتهما وتناقضاتهما، وهي من أشهر أعماله المتداولة، وتستحق دراسة لها وحدها، وكذلك روايات، خان الخليلي، اللص والكلاب، زقاق المدق، بداية ونهاية..

لكنني سأقف هنا فقط عند بعض الروايات الأقل شهرة والأكثر عمقا حسب رأيي.

حضرة المحترم

أحببت هذه الرواية البديعة لنجيب محفوظ وأحببت تعبيراتها التي أراها شِعريةً أكثر من كونها سردية روائية، وسأورد هنا منها اقتباسات للتدليل على ذلك، إن نجيب يقدم لك حياة موظف حكومي رأى في الوظيفة كلَّ الحياة، فانغمس فيها بكل ذاته مهملا كل جوانب الحياة الأخرى حتى الجانب الإنساني وما بداخله من مشاعر مختلفة.

أهمل أعوام حياته ورأى أن هذه السنين وُجدت لتضيع في الوظيفة وأن المال وُجد ليكنز.

قضى كل عمره حالِـما بمنصب أتاه وهو على فراش الموت ليخرج صفر اليدين من الدنيا بلا عائلة ولا أصدقاء.

في الرواية تعريف مجمل بالنظام الحكومي العتيق في المجتمع المصري ما قبل ثورة 52 والذي لم يتغير كثيراً بعد الثورة ومن عاش في مصر يدرك مشكلة البيروقراطية.

وعثمان بيومي، رجل فقير لا يعيش معه أفراد من العائلة، يبدأ العمل كبيروقراطي في الدرجة الثامنة في قسم الأرشيف أو المحفوظات في إحدى الوزارات. كان لديه هدفٌ سامٍ هو أن يصبح يوما ما المديرَ العام. وهو يتسلق مستويات الدرجات في البيروقراطية بحماس منقطع النظير تقريبًا، عن طريق أخذ فصول تعليمية، والعمل لساعات إضافية، وأداء مهام الترجمة، ومجاملة وحتى تملق الأشخاص الذين هم في المناصب العليا. ساعده ذكاؤه وأخلاقياته في العمل وسحرُه على تسلق سلّم الحكومة.

خلال حياته المهنية، يرفض عثمان مرتين الزواج من نساء يحببنه لأنه يريد زوجة ذات خلفية مفيدة قد تساعده في الفوز بمنصب أعلى في العمل. إنه لا يخصص الوقت لأي شخص يريد أن يصادقه، ويحفظ كل أمواله. تدور حياة عثمان حول طموحه، ويتخلى عن فرصه في الحب الحقيقي والأسرة. إنه في الحقيقة لا يستمتع برحلة الحياة لأن سرور النجاح يتلاشى مباشرة بعد كل مرة يحصل فيها على منصب أعلى أو ترقية.

عثمان شخصية مثيرة للاهتمام، تناوبتُ بين الشعور بالتعاطف معه، والرغبة في إلقاء شيء عليه لإيقاظه للحياة وإخباره أن المال ليس كل شيء وأن الحياة في الأسرة والأصدقاء أهم من كل شيء.

رواية تستحق القراءة وقد قرأتها شخصيا مرات لأخذ العبرة، وللمتعة الفنية أيضا.

9. أكتوبر 2019 - 16:33

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا