العدالة الاجتماعية كتكريس لمفهوم دولة العدل / السيد ولد صمب أنجاي

لقد اعتنى الإسلام بالعدالة الاجتماعية قبل المواثيق الدولية التي تنادي بالعدالة ’ فالعدل في الإسلام لا فرق فيه بين الجميع لأن الكل في ميزان العدل سواء قال جل جلاله : { يا أيها الذين ءامنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولوعلي أنفسكم } ولنا في الفارابي ما يبرر ذلك أيضا  من خلال مدينته الفاضلة التي يري فيها  بان يكون رئيسها عادلا ’ فالعدالة مبدأ أسمى للحاكم والمحكوم في المدينة الفاضلة استنادا إلى قوله جل من قائل : { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل } فهذه الآيات كانت سباقة إلى طرق باب العدل قبل الثورات الأوربية والعربية خاصة الثورة الفرنسية 1789 والتي شملت تأثيراتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية كل أنحاء أوروبا والعالم لأنها ألغت الملكية المطلقة والامتيازات الإقطاعية للطبقة الأرستقراطية وحتى مصادرة أملاك الكنيسة ’ مرسية بذلك دعائم الديمقراطية وحقوق الشعوب والمواطنة ’ لأنها مطالب شعبية لابد من تحقيقها طال الزمن أو قصر ’ ولأن التغيير من سنن الله الكونوية قال تعالى : { قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء ... } فهذا دليل ساطع على أن الملك لو كان دائما لأحد لما وصل إلي غيره ’ فالعدالة الاجتماعية تتطلب أيضا تطوير النظام الرأسمالي وتحرير الاقتصاد م ’ ومجانية وإلزامية التعليم وتوحيد وتعميم اللغة العربية ’ فالعدالة الاجتماعية جوهر التنمية البشرية المستدامة ’ وهذه الأخيرة تعنى الشفافية في توزيع الثروة وتطوير الإعلام والمشاركة الفعلية في تطوير البلد ونمائه وضمان المواطنة والديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي ’ وهذه كلها خيارات بشرية تتعزز حينما يكتسب الناس القدرات البشرية على إتاحة فرص التشغيل لضمان التوازن والرفاه الاجتماعي المؤشر للتنمية البشرية والمناخ الاستثماراتى الجيد والخلاق ’ على الرغم من أنه في  التنمية البشرية تستهدف الاستراتيجيات التنموية الناس قبل الإنتاج والتجارة ’ فالهدف من توظيف مفهوم التنمية البشرية هو الارتقاء بالفكر التنموي من الحالة الاقتصادية الكلاسيكية التي كانت سائدة في العقود الماضية إلى مجال أرحب وأوسع هو مجال الحياة البشرية بمختلف أبعادها السوسيو ـ بوليتكية والثقافية ’ وغير بعيد عن مفهوم العدالة الاجتماعية يجدر بنا القول بأنها احد النظم الاجتماعية التي من خلالها يتم تحقيق المساواة بين جميع أفراد المجتمع من حيث فرص العمل وتوزيع الثروة والامتيازات والحقوق السياسية وفرص التعليم والرعاية الصحية ..الخ .

وهكذا فالعدالة الاجتماعية يجب فيها أن يتمتع الجميع بغض النظر عن لونه أو جنسه أو عرقه أو مستواه الاقتصادي بعيش حياة كريمة بعيدا عن التحيز ’ نظرا لما يتطلبه المفهوم من مقومات لا غنى عنها وأولها المحبة بين عناصر المجتمع ونبذ الكراهية ’ واحترام وتعزيز اللحمة الاجتماعية بين مكونات الشعب ’ ومما يعزز توطيد العدالة الاجتماعية نشر الوعي بأهميتها عن طريق الحوار البناء والتطوع في الأعمال الخيرية المختلفة ’ كما أن تقبل التنوع يساهم في تعزيز ثقافة العدالة الاجتماعية خاصة في مجتمعنا ذي الاثنيات المتباينة والمتنوعة والتي هي مصدر ثراء واختلاف لا خلاف ’ زد على ذلك أن من  معوقات العدالة الاجتماعية غياب الحرية وانتشار الظلم والفساد والمحسوبية ’ مما ينجر عنه لا قدر الله استلاء ثلة من الناس لتقاسم الكعكة على حساب الجماهير الغفيرة التي تنشد العدالة وتقسيم الثروة بطرق شفافة ’ باعتبار العدالة ليست هي المساواة ’ كما يزعم الكثيرون ’ فالعدالة تعنى الإنصاف وأن يعطي المرء من نفسه الواجب ويأخذه ’ فهي تعنى بشكل عام استخدام الأمور في مواضعها وأوقاتها الصحيحة من دون تقديم أو تأخير ودون إسراف أو تقصير ’ أما المساواة فتعنى حصول المرء على ما يحصل عليه الآخرون من الحقوق ’ كما عليه ما عليهم من واجبات دون أي زيادة أو نقصان ’ وان كانت المساواة هي الهدف الذي ترمي إليه العدالة ’ فهي الغاية المرجوة من تحقيق العدل ’ ولذا فالإسلام دين عدل وليس دين مساواة ’ وذلك أن العدل يعنى الموازنة بين جميع الأطراف لكي يأخذ كل ذي حق حقه ’ ولهذا يمكن تكريس الدولة لأن الدول تتأسس على العدل والعدالة لا على الظلم والغبن ’ وحيث أن دعوة المظلوم تحمل على الغمام نظرا لخطورة الظلم واللاعدالة ’ فالعدل أساس الملك ’ ومنه فالعدالة الاجتماعية مبدأ أساسي من مبادئ التعايش السلمي وعن طريقها يتحقق بناء الدولة وازدهارها ’ ذلك أنها لا تنحصر فقط قي عدالة القانون بشكل عام وإنما توفير معاملة عادلة وحصة تشاركية من خيرات المجتمع بشكل خاص مما يستلزم تكافؤ الفرص أي المساواة بين جميع الأفراد المجتمعية خاصة في مجالي التعليم والعمل ’ وهو ما يقلل أيضا الهوة بين كافة أطياف المجتمع .

 

17. أكتوبر 2019 - 13:26

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا