الجوع غول فتاك وسلاح دمار شامل وبركان نشط يهدد بالانفجار كل حين ، ولئن كان الوطن قبل الجمهورية ارض سائبة، وقبائل متناحرة ، كرست ظلم الانسان لأخيه الانسان ، وحمَّلت الضعفاء مالا يطيقون ، من اجل البقاء احياء يرزقون ، فان اهم مكسب متوخى من قيام الجمهورية ، هو اشاعة العدل والمساواة وإخاء فئات المجتمع في الوطن الواحد ؛ فهل تمكنت الجمهورية الوليدة من تطبيق شعارها ، وهل وفرت لشعبها فعلا مضمون هذ الشعار ؟
الوطن الوليد لا يستطيع اخفاء إخفاقاته المؤلمة ، وان كان البعض يحاول تبريرها ،ظنا ان من تولوا الشأن العام ، تعمدوا ألخطأ وهي محاولة لا تخدم البناة الاوائل ، ولا تدعم تصحيح اسس ودعائم الجمهورية ،ولا توعز حتى بتضميد جراح الضحايا بل انها عواطف جاهلية تمسكت بها مجموعات ارتهنت للحظات المظلمة من تاريخ الوطن ، وتمسكت خطـأ بحلول ما قبل الدولة والوطن الواحد وهي حلول ضيقة مرتجلة قاصرة ومقتصرة على اصحابها، وهي التي ادت الى ضياع الجهد وبسببها استنزفت مقدرات الوطن، وتم التلاعب بعائدات الثروة الوطنية، واحتكرت دوائر جشعة الوطن وخيره، وفصلت اصلاحاته على مقاسها ، لذالك خرجت مجموعات كبيرة من ظلم العشائر والاحلاف ، لتدخل في ظلم الانظمة ، تحت مظلة الوطن وفي كنف الدولة الوطنية الحديثة ، وبين سطور دستورها .
من المفارقات ان تكون الدولة الوطنية الحديثة جمهورية اسلامية اصبحت تعددية فيما بعد ، وان تظل عاجزة عن توفير العيش الكريم لشعبها المنهك ، في وقت تنعم ثلة قليلة منه بالعيش الرغيد ، من حصص المهمشين والمقصيين .
ان القضاء على الجوع او جدية محاولته ، سيكون الطريق الاقصر لتحسين التعليم ، وضمان الامن ،وللارتباط بالوطن ، والمحافظة عليه موحدا متجانس وهي عملية لن تكون ممكنة الا من خلال ضبط توزيع الثروة الوطنية ، وتحديد اماكن استهدافها ،تبعا للحاجة وتلبية لمطالب السكان ، وتقريبا لخدماتها من المحتاجين اليها ، فمثلا من غير المعقول ان تكتظ منطقة سكنية بالشوارع والمستشفيات والمدارس ، واهلها يتعالجون خارج الوطن ، ويمتلكون شاحنات عابرة للصحراء ، ويدرسون ابناءهم في المدارس الخاصة ، او في الخارج في حين شوارع مناطق تواجد الفقراء مسدودة ، وهم يتعالجون في تلك المستشفيات البعيدة ، ولا يستطيعون تدريس ابنائهم نظرا لقلة المدارس ولبعدها منهم ، فجيوب الفقر تنتشر في اطراف العاصمة وبانتشارها يتكاثف السكان من حولها، وهم بحاجة الى مستشفيات الى مدارس الى طرق الى امن ، لكن ومن خلال المعاينة والمعايشة فان هذه الجيوب تصنف كمناطق من الدرجة الثانية ، وهي خزان الفقر وبيئة خصبة ، يتكاثر فيها الشعور بالغبن والتهميش وتتصاعد فيها مؤشرات الانحراف الاخلاقي والوطني والاجتماعي هذ مثال من العاصمة فما بالك بالريف ، ساحة معركة ينتصر فيها الجوع باستمرار علي كل تقاليد الكبرياء والكرم والشهامة فيقتل الجوع عادات الشعب وقيمه ويدفن تقاليدنا العريقة في النكافل والايثار .
ان الجوع والحرمان وضعف جرأة معالجتهما ، معوقات تحد من فاعلية كل مقاربة امنية ، او تعليمية ؛ فالنحارب الجوع في اوكاره ، والنحمي الجياع والنشركهم اولا في عائدات وطنهم ، فالبشر يحافظون بجد على طعم خير الوطن حينما يصل اليهم دون من او تحايل اومغالطة.