الطلاب، الوزارة، الشرطة .. أي علاقة ؟ / زين العابدين علي بتيش

شاهدنا في الأسابيع الماضية صور التظاهرات الطلابية الرافضة لقرار وزارة التعليم العالي تحديد سن ولوج الجامعة ، و انتشرت صور الطلاب و هم يتعرضون للقمع إثر هذه الوقفات و التحركات و آخرها فض اعتصامهم ليلة البارحة الذي أشعل فيسبوك تضامنا معهم من طرف الكثيرين من المتابعين و المهتمين .
وفي هذا الإطار يتبادر لذهن المتابع لهذا الشأن تساؤل عن العلاقة بين الطلاب والوزارة والشرطة .. ولماذا تصل في بعض الأحيان لمرحلة التصادم ، و لماذا يصر البعض على اعتبار تحرك الطلاب تسييس و أدلجة ، و صدام مع الدولة التي " لا تعاند " ! ، و هل أضحى التعبير عن الرأي بالطرق السلمية خطرا على أصحابه في ظل دولة يفترض أنها تحترم الحريات العامة وتحميها .

يعتبر الطلاب الجامعيون في أي دولة هم مستقبلها و غدها المشرق و فجرها الواعد ، بما يتميزون به من وعي و فكر و نضج ، فلذلك تلجأ الدول لتوفير كل ما يلزم من أجل حصولهم على أعلى قدر من التكوين الأكاديمي كي يصبحوا في مرحلة لاحقة على أساس متين من القدرة على أداء مهامهم الوظيفية والحياتية في دولتهم ، ولكي يعبروا عن نجاح الخطط والسياسات التعليمية في مختلف المراحل بنجاحهم في الحياة بما اكتسبوا من مهارات و قدرات ، لهذا يكون دور الوزارة المعنية بشأنهم أن تقوم بدورها كما يجب ، تسهيلا لهذه المهمة ، و تحقيقا للمصلحة العامة في تخريج قطاعات مختلفة من الشباب ليخدموا وطنهم بكل أريحية و حماس .
ولم يكن أبدا من دور الوزارة المكلفة بالتعليم العالي أن تحرم قطاعا كبيرا من الشباب من هذه الفرصة التي لطالما حلموا بها ، و إلا فلماذا منحوا شهادة الباكالوريا ؟
بالطبع هذا القرار لن يتضرر منه من يستطيع أن يدرس في الخارج و يحجز مقعدا له في إحدى الجامعات المغربية أو الجزائرية أو ....
فالمتضرر الحقيقي هو أبناء تلك الطبقة العريضة من الشعب .. الفقراء .
فهل فكرت الوزارة في أثر هذا القرار على هذه الأسر التي كانت تأمل في أبنائها النجاح الجامعي و التخرج و العمل لانتشالهم من وضعيتهم المزرية .. إنها أسر تحلم .. ومن حقها أن تحلم .. ومن حق أبنائهم أن ينالوا شرف المحاولة ..
صحيح أن القرار شرعي قانونا لمسيرته الإجرائية التي اتخذها ، لكنه يفتقد للمشروعية و هي رضى الطبقة المستهدفة ورضى الشعب .
قبل سنوات اتخذت السلطات الفرنسية قرار بحبس كل من يقدم يضيف اللاجئين الداخلين للبلاد عن طريق الحدود ، بيد أن أحد الفرنسيين كان منزله يقع في منطقة حدودية وكان يكرم كل من زاره بما في ذلك اللاجئين ، عانت السلطات الفرنسية في البداية من هذا المواطن بيد أنه أكد لها أن هذا جزءا من مبادئه ولا يمكنه التخلي عنه مهما حدث ومهما سن من قوانين .. سمي هذا التصرف ب " العصيان المدني " ، واعتبر هذا القانون شرعيا من حيث الإجراءات القانونية ، يفتقد المشروعية بسبب غياب الأخلاقية ورضى ذوي الضمائر الحية .
فلذلك من حق الطلاب أن يرفضوا هذا القرار الذي أقل ما يمكن أن يوصف به أنه " قرار جائر " يفتقد للمشروعية .
إن هموم التعليم العالي و إشكالياته هي هموم تعني الوزارة و لكنها تعني و بالدرجة الأولى الطلاب المستهدفين .. فلذلك يجب أن تفهم الوزارة أنه لا مجال للأحادية فيما يتعلق بالقضايا التي تخص الطلاب ، فالطلاب عبر ممثليهم من مختلف النقابات يجب أن يستشاروا في أي قرار يخص التعليم العالي ، و أن يسمع صوتهم ويؤخذ بعين الإعتبار ، و أن لا يتكرر مثل هذا المشهد المؤسف .. وهو الإستعانة بجهاز الشرطة لقمع الطلاب وضربهم و سجنهم لا لشيء إلا أنهم عبروا عن رفضهم لقرار يضر بهم .
وملخص هذه الفكرة أن الطلاب يجب أن يشركوا في وضع السياسات التي تخص التعليم العالي و أن لا يتعامل معهم و كأنهم خارج المعادلة .
وهنا أنتقل لعلاقة الطلاب والشرطة أو جهاز مكافحة الشغب ..
إن الشرطة جهاز يقوم بدوره في حفظ الأمن و القبض على اللصوص والقتلة والمجرمين ، فإذا ترك هذه المهام وتفرغ لضرب الطلاب والإعتداء عليهم فإن الأمر يبعث على تساؤلات .. هل من دور الشرطة قمع الوقفات السلمية ؟!
أعتقد أن للشرطة الحق في التدخل إذا رأت أن ذلك للمصلحة العامة و أن التحرك يمكن أن يخرج عن السيطرة ، لكن الطلاب قضيتهم ليست سياسية و لم يهتفوا بإسقاط الحكومة ولم ينادوا بالثورة ، كل ما في الأمر أنهم هتفوا لفتح المجال أمامهم لدخول الجامعة و إتاحة الفرصة لهم لممارسة حق دستوري وهو التعلم .
هل القمع في مصلحة السلطة ؟
بالتأكيد لا ، فالقمع لم يكن يوما حلا ، و خصوصا مع الطلاب الذين يعرفون يطول نفسهم و قدرتهم على الصمود والتاريخ النضالي للحركة الطلابية يشهد بذلك ، وهنا أتذكر مقولة لأحد الفلاسفة حين يقول لا تخض معركة ضد شخص لن يخسر شيئا .. و الطلاب ليسوا موظفين عموميين ليقلقوا على مراكزهم ، وليسوا سياسيين ليقلقوا على مكتسباتهم ، هم فقط طلاب يمثلون كل هذا المجتمع بكل مافيه ..
 فهل إذا تظاهروا ضد القرار يكونون مسيسين ؟ فأين حرية التعبير ؟ أين الحريات العامة ؟
إن حرية التعبير و الحركة في الإحتجاج مكسب من مكاسب الحريات العامة التي تقرها الدولة و تحميها و تعتبر مظهرا من مظاهرها و دليلا على تمسكها بالديمقراطية .
لكن بعض العامة يطلقون صافرات الإنذار التخويفية و أشهرها مقولة " الدولة ما تعاند " وهذه مقولة سياسية رجعية أكل الدهر عليها و شرب ، وما الدولة إلا تعبير عن المجتمع يفترض أنها تصدر عنه و ليست مجرد روبوت لا نقاش معه ولا حوار ، بل إن الدولة هي أنا و أنت و كل الأفراد و المنظمات و كل الشعب و ليست تنظيما متعاليا على الشعب يمارس الوصاية عليه أو العبودية المقننة !
إن الطلاب وهم يعبرون عن رفضهم لهذا القرار لا يصطدون بالدولة ، بل هم جزء لا يتجزء منها و يكنون كل الإحترام لجهاز الدولة ومنظومتها الإدارية والسياسية ...
أقول هذا بعد أن رأيت البعض يهمز ويلمز في حراك الطلاب و كأنهم أشباح جاءت من كوكب المريخ ! إن في الطلاب أبناء مختلف العائلات و القبائل و الشرائح و أبناء كل الموظفين و الأجراء و القضاة و الأساتذة والمهندسين و المحامين ، فلذلك هم ليسوا حركة سياسية ، ولا يستهدفون النظام ، بل لعل منهم موالين للمنظومة الحاكمة كل الموالاة .
إن علاقة الطلاب بالشرطة هي علاقة أساسها الإحترام المتبادل ، فالطالب في مسيرته يفكر في النهوض بحاله و حال وطنه ، والشرطي يمارس مهامه في حفظ الأمن والإستقرار ، فهي علاقة تكامل لا تصادم ، ومن يريد أن يصور جهاز الشرطة على أنه عدو للطلاب لا يخدم قضيتهم ، فالجميع تجمعهم خدمة هذا الوطن و السعي للإعلاء من شأنه ، وليس من مصلحة الجميع خلق معارك جانبية ، والشرطي نفسه لاشك له أخ أو ابن أخت أو ابن متضرر من هذا القرار ، والطالب لاشك له أخ أو أب يعمل في جهاز الشرطة يقدره و يحترمه و يحترم جهوده في حفظ الأمن و الإستقرار
فلذلك العلاقة كانت ولا تزال علاقة تكامل و احترام كل لمهام الآخر ووظائفه .. وصولا لنهضة البلاد .

29. أكتوبر 2019 - 15:58

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا