بالتأكيد لم تعد الإحتجاجات الشعبية تلك الوسيلة البريئة التي أَلِفناها للتعبير عن عدم الرضا و البحث عن صَون الحقوق بل أضحت عنوانا لِخلْخلة بُنية المجتمعات و تفكيكها و خلق بؤر للتوتر و تشكيل خلايا نائمة يتم إيقاظها في الوقت المناسب كلما دعت الضرورة الى ذلك عن طريق الإعلام الدعائي و صناعة نجوم للأحداث و الرمي بهم على سكة القيادة.دون شك هذا لا يعني أن التظاهر المشروع في معظم دساتير العالم مُتهم بالعمالة و الإبتعاد عن مضامين ما يرفعه من شعارات لكن يجب الحذر و التأكد من الخيط الرقيق الفاصل بين الفسطاطين .تختلف الإحتجاجات باختلاف نُظم الحكم و ممارسته فقد تجد الثورات على النُّظم الديكتاتورية الخالدة في الحكم أكثر من مبرر لقيامها لكون هذه الأنظمة تعتمد في الغالب في بقائها على سيطرة فئة من أصحاب المصالح تحتكر موارد البلاد و ثرواتها و تترك غالبية الشعب يواجه مصيره و قدرهلكن أي احتجاج في بلد بالْكادِ مرت أسابيع على انتخاب رئيسه و تشكيل مؤسساته الدستورية يصعب فهمه و تبريره لكونه عرقلة للعمل الحكومي و شغْل للقائمين على تدبير الشأن العام و تجاوز لِلَحظات من العمل و التخطيط لا يجدر القفز فوقها .لا شك أن التظاهر وسيلة حضرية لحث الحكومات على بذل مجهوداتها لإصلاح الخلل و تحديد الأولويات لكن عقلنة المطالب و توقيتها أيضا هي أمور تساعد على إنجازها و على بناء الثقة بين الحاكم و الحكوم كما أن الصمت المُطبق و عدم الرد على انشغالات الناس و مظالمها و إعتبار ذلك ضعفا هو تجاوز للقواعد الأدبية التي تربط الشعوب بقياداتها و تصديقا للمقولة التي تقول إن الحاكم في دول العالم الثالث يمتلك حكمة لقمان و رجل الأعمال يمتلك مال قارون و على الشعب أن يتحلى بصبر أيوب .