بعد مرور شهر كامل على الافتتاح الدراسي؛ نتوقف مع أبرز المحطات التي شهدتها الساحة التربوية في محاولة لرصد التطورات الإيجابية والإشادة بها، والتنبيه على المشاهد أو المظاهر السلبية والتحذير منها.
بعد يوم الافتتاح المشهود الذي أشرف عليه فخامة رئيس الجمهورية وكافة أعضاء الحكومة وكبار معاونيهم تبين أن توجها جديدا وفكرا تربويا وقيادة علمية مسكونة بحب التعليم والتعلم أطلت على الوطن بفجرها الصادق الذي يريد للمواطن أن يتسلح بالعلم في سبيل بناء موريتانيا الجديدة المبنية على أسس العلم والمعرفة، فبدون التعلم لا يوجد مواطن صالح ولا وطن متصالح مع ذاته، حاضن لأبنائه.
لقد شكلت هذه الرعاية وهذا الإشراف المباشر والخاص من الرئيس ترجمة فورية لمضامين تعهداته الانتخابية؛ فكانت الرسالة المفتوحة الأولى الواردة إلى بريد كل مواطن بشكل مقروء ومسموع، ولا شك أن هذه الرسالة أعطت انطباعا حسنا وتأكيدا ضمينا أنها ستُتْبع بإجراءات عملية وخطوات تطبيقية من لدن الحكومة ممثلة في الوزراء المعنيين بملف التعليم عموما.
إن أول الخطوات العملية التي أُتبع بها الافتتاح المثالي والاستثنائي هو أن يوم الافتتاح كان يوما دراسيا في سابقة لم تشهدها البلاد في تاريخها السابق الذي ظل فيه الشهر الأول شهر إعلان افتتاح خال من كل مظاهر التدريس؛ المتوقفة على صورة واضحة محورها مدرس واقف في الفصل وتلاميذ حضور ودروس تتتابع.
إن ما أعلن عنه فخامة الرئيس في تعهداته من زيادة للإنفاق على التعليم وإرساء دعائم المدرسة الجمهورية، تلك المدرسة التي يتساوى فيها أبناء الوطن الواحد في الهيئة ملبسا، وفي التمكين من متاح فرص التعليم تدريسا، وفي الرعاية من توجيه الدولة مواردها وزيادة تركيزها عليها بوصفها حجر الزاوية في هيكل المنظومة التربوية الذي يؤسَس له بذلك على دعائم صلبة وأرضية خصبة متزنة، كل ذلك فتح شهية المتعطشين إلى وطن مزدهر يتكئ على الأمن والأمان ويمتطي صهوة العلم ويتخذ من نوره دليلا ساطعا لولوج لجج التنمية، وبرهانا لإحداث ثورة اقتصادية.
-نقاط إيجابية:
لقد شكلت الزيارات الميدانية التي يقوم بها وزيري التعليم الأساسي والثانوي والتواصل مع هيئات التدريس، بل ومع الدارسين أنفسهم خطوة هامة نحو تجسيد الأهداف الطموحة المعلنة من طرف فخامة الرئيس والموكول تنفيذها للحكومة، ولقد شكل إعلان وزير التعليم الأساسي وإصلاح التهذيب خاصة خلال لقاءاته بالمسؤولين التربويين في بعض الولايات الداخلية التي يزورها الآن؛ عن زيادة في علاوة البعد وتحديد تاريخ صرفها، وزيادة الكفالات المدرسية ورفع عدد المستفيدين منها، بالإضافة إلى تنظيم الخريطة المدرسية، لقد شكل كل ذلك ترجمة لأجزاء هامة من صميم تعهدات الرئيس المذكورة سالفا، وشكل أيضا استجابة صريحة لنداءات متكررة أطلقناها في السنوات الماضية؛ تارة عن طريق مقالات مكتوبة موثقة وتارة عن طريق مقابلات متلفزة مخصصة لمشاكل التعليم وقضاياه، وأخيرا جمعنا ذلك في كتاب عُنيَّ بمشاكل التعليم دون غيرها حمل عنوان: شذرات حول التعليم الموريتاني، كل ذلك بسطنا فيه كثيرا من مشاكل التعليم في العقد الأخير.
ولكي تكون هذه النقاط التي أعلن عنها وزير التعليم الأساسي إيجابية أكثر ينبغي أن يراعى في قضية الكفالات الدقة في الإحصائيات المقدمة من طرف مديري المدارس فكثيرا ما يقع المديرون ضحية لتلاعب المُوصِّلينَ للكفالات المدرسية على مستوى الولايات والذين يرغمون كثيرا منهم على قبول مضاعفة أعداد التلاميذ الموجودين حقيقة كي يزيدوا لهم الحصة الموجهة والتي ستكون في ما بعد هي ورقة الضغط عليهم وآلية ابتزازهم للدفع لأولئك المسؤولين عن توزيع هذه الكفالات وهو ما ينعكس سلبا على سير العملية والإحصاءات المصاحبة لها والتي تتأثر بها المنظومة التربوية عند التقويم الوطني والدولي بفعل الإحصاءات المغلوطة والأساليب المتعرجة، ثم إنه لمن الضروري أن تُصاحَب زيادة علاوة البعد التي أعلن عنها الوزير بزيادة خاصة لعلاوة الطبشور بوصفها أول وأهم العلاوات المثبتة للمدرس داخل الفصل، هذا مع مراجعة علاوة البعد نفسها ومساواة القطاعين الأساسي والثانوي فيها إن لم يكن الأساسي هو الأولى بالزيادة لصعوبة أرضية أداء الخدمة فيه قبل غيره.
-نقاط سلبية:
إن من أهم النقاط السلبية المسجلة في الشهر الأول من هذا العام الدراسي؛ وجود كثير من المدرسين يسرح ويمرح في بعض الإدارات، في شبه تفريغ، في الوقت الذي تعاني فيه بعض المناطق من نقص حاد في المدرسين، ينبغي أن يعاد إلى الفصل الدراسي كل من لا يُمسك ملفًا حيًا ويؤدي من خلاله خدمة ضرورية، فمعظم هؤلاء المدرسين لا يشغلون سوى الحيز الجغرافي لممرات الإدارات التي تحتوي لوائح أشخاصها أسماءهم، لا مكاتب لهم يؤدون منها للمواطن خدمة، لا خدمة لهم حاضرة العين تبرر وجودهم في هذا المكان، اعتقد أن أبناء الوطن الذين ينتظرون لحد الساعة من يدرسهم أولى بهم من فرقعة أصابعهم وتفريغهم المقنع قناع المحسوبية والزبونية؛ التي لن يحصل تقدم يذكر مادامت تتغلغل في مفاصل الإدارة رغم تكرار الإعلان وإظهارالإشهار.
ومن النقاط السلبية المسجلة في هذا الشهر، ذلك الخطأ الكبير الذي وقعت فيه لجنة المسابقات في مسابقة اختيار مقدمي الخدمة من المعلمين عندما قدمت لهم نص *المساء* الشهير للشاعر الكبير مطران خليل مطران شاعر القطرين؛ الذي أقام بمصر أغلب حياته، ووهبته دون وجه حق للشاعر الكبير أيضا إيليا أبو ماضي شاعر المهجر الرمز في أوائل القرن العشرين وأحد أهم مؤسسي الرابطة القلمية، المقيم في نيويورك، وبذلك يقع الطالب المختبر، مشروع مدرس المستقبل؛ في حيرة علمية وإرباك قد لا يخرج منه بإجابة موفقة، لا ينبغي أن تتكرر هذه الأخطاء الفاضحة والقاتلة، المسيئة إلى بلد الشعر والشعراء والعلم والعلماء في زمن ثورة التكنولوجيا التي يسهل معها التحقق والتأكد والتدقيق.
-ملاحظة ذات صلة:
بخصوص التعليم العالي؛ صحيح أن وزير التعليم العالي حقق نجاحات مشهودة على مستويات محددة لكن قطاعه يعاني من مشاكل مشهودة في نقاط أخرى وعلى مستويات منها سن التسجيل المحددة مطلقا دون وجود بديل.. أعتقد أنه من المؤسف أن يكون هناك طلاب حاصلين على شهادة الباكلوريا لهذه السنة دون تسجيل لحد الساعة، ومعروف أن شهادة الباكلوريا هي الشهادة الوطنية التي ظلت تحتفظ بقيمتها العلمية ورمزيتها الاعتبارية أكثر من غيرها من الشهادات الوطنية لبعدها عن المحسوبية التي كانت تطبع الجامعة اليتيمة، وألاعيب التقويمات الشفوية التي كانت تمنح نقاطها بناء على المزاج الشخصي أو الانتماء الأهلي.