في سنة 2011 ، وجهت رسالة خطية الى فخامة الرئيس السابق اليسد محمد ولد عبد العزيز ، أشرت عليه فيها بالسعي الى اعادة تأهيل مدن البلاد المندثرة : كونبي صالح ،أزوكي و أوداغست ، مقترحا في هذا الصدد بناء ضريح على قبر أبي بكر بن عمر و انشاء حاضرة في نفس المكان يطلق عليها اسم " العامرية"، تحتضن موسما سنويا ذا أبعاد اقتصادية و اجتماعية و روحية ، يطلق عليه اسم موسم العامرية السنوي .
على أن يكون ذلك مصاحبا لمجموعة من الاجراءات تستهدف النهوض بمدن البلاد التاريخية : وادان، شنقيط، ولاتة وتشيت ، المصنفة تراثا بشريا من طرف اليونسكو. لم اتلق ردا على رسالتي تلك لكن في ما بعد ، سجلت بارتياح كبير قرار السيد الرئيس بانشاء مهرجان سنوي بالتناوب في كل واحدة من هذه المدن التاريخية الأربع.
وكانت هذه الخطوة ايجابية و كبيرة التأثير على هذه المدن ، حيث قيم باستصلاح جزئي للطرق المؤدية اليها و صير الى تر ميم بعض دورها القديمة التي كانت متداعية، و تم بناء منشآت أدارية اساسية ، و بنى تحتية ضرورية ، كانت هذه المدن في أشد الحاجة اليها ، و تم تزويدها بالماء الشروب و الكهرباء وو سائل الاتصال العصرية .
فنجم عن ذلك تحسن ملحوظ للظروف المعيشية لساكنة هذه المدن ، كما انها استفادت على نحو منتظم من صرف مساعدات نقدية بهدف مساعدة السكان على ترميم منازلهم المتهالكة و تأ هيلها لاستقبال ضيوف المهرجان كل ما وفدوا على هذه المدن.
و شكلت هذه الاجراءات جرعات من الأوكسجين انعشت السكان و خففت من وطأة شظف العيش الذي يعانون منه. وقد سمح هذا المهرجان الذي توالى تنظيم نسخه كل سنة تباعا في كل من المدن الأربع، قد سمح اقول عن طريق وسائل الاعلام المسموعة و المرئية ، بتعريف الرأي العام الوطني و الدولي على خصائص هذه المدن المعمارية و على كنوزها التراثية و الطبيعية و البشرية. وساعد على ابراز ميزاتها الفلكلورية و فرادة عاداتها و تقاليدها .
و كانت فعاليات مختلف نسخ هذا المهرجان في بداية أمرها ، ذات نكهة محلية و تكتسي طابعا قوميا صرفا ، لكنها أخذت تدريجيا تستقطب بعض دول الجوار، الشيء الذي بات يضفي عليها صبغة اقليمية .
وقد تميزت النسخة التاسعة من مهرجان المدن القديمة التي هي أول نسخة تجري في عهد فخامة الرئيس محد ولد الشيخ الغزواني، و التي انطلقت في 10 نوفمبر 2019، تميزت بمواصفات و خصائص انفردت بها دون غيرها من النسخ الأخرى.
ذلك أنها جرت في جو عام ساد فيه لتفاهم و الوئام و التقارب و الانسجام بين مختلف مكونات الطيف السياسي من موالات و معارضة ومن شركاء اجتماعيين و فاعلين اقتصاديين و من هيآت و فعاليات وطنية مختلفة.
فكان الفرقاء السياسيون يجنحون الى الدعة و المودة و التفاهم . فتقبل بعضهم بعضا و تملكوا جميعهم مختلف فعاليات المهرجان و تفاعلوا سويا معها بغبطة و اريحية .
و يمكن الاستدلال على ذلك بتصريح الرئيس أحمد ولد داداه لأحد المواقع الصحفية مفاده أن المهرجان قد ضم جموعا من الناس لا يستهان بها قادمة من مختلف جهات الوطن ما أتاح لهم فرصة المساهمة في نفض الغبار عن المووروث الثقافي للمدينة.
وقد كانت الاجواء السائدة في المدينة أجواء عيد و احتفاء و انفتاح و انشراح غير مسبوقة منذ وقت طويل. واذا كانت هذه النسخة التاسعة من مهرجان المدن القديمة قد اتسمت بالتفاهم و الانسجام و التآلف بين مختلف الفرقاء السياسيين الذين كانو لحد الساعة على طرفي نقيض، فانها قد اكتست كذلك ابعادا دولية تجسدت في حضور لافت لبلدان عربية و افريقية و اوروبية اضافة الى فعاليات و هيآت أجنبية مختلفة. ولقد وفرت هذه النسخة التاسعة من مهرجان المدن القديمة فرصة لبعض دول الجوار للاعراب عن حرصهم على توطيد العلاقات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية مع بلادنا .
بهذا الصدد قال رئيس قسم التعاون في وزارة الثقافة و الشباب و الرياضة المغربي أن مشاركة المغرب في مهرجان شنقيط هي أهم مشاركة على الاطلاق للملكة المغربة في مهرجان دولي . اذ أن عدد المشاركين المغاربة بلغ على حد قوله 120 شخص.
وقد شكل المهرجان كذلك اطارا مواتيا لتوقيع اتفاقية ثقهفية بين وزارة الشغل و الشباب ببلادنا و وزارة الثقافة و الشباب و الرياضة المغربية يقوم بموجبها المغرب بتشييد ملعب رياضي متعدد الاختصاصات ، اضافة الى مجموعة من المرافق الترفيهية في مدينة نواكشوط .كما ستقوم بترميم مبنى دار الشباب الجديدة بالعاصمة .
وقد قدمت وزارة الشؤون الاجتماعية المغربية هي الأخرى مجموعة من المساعدات لفائدة بعض التعاونيات النسوية و الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة . وتجدر الاشارة في هذا السياق أن المملكة المغربية هي ضيف الشرف على النسخة التاسعة لمهرجان المدن القديمة الذي تجري فعالياتها راهنيا بمدينة شنقيط.
اضافة الى هذه الفوائد الملموسة التي جنتها مدينة شنقيط خلال هذا المهرجان في اطار التعاون الموريتاني المغربي، فقد استفادت ساكنة المدينة من دعم مباشر و غير مباشر للدولة ، تمثل ذلك من بين أمور أخرى في بناء قرية صناعية تم وضها رهن اشارة ساكنة المدية .
يضاف الى كل ذلك التعهد الذي اعطاه رئيس الجمهورية لسكان المدينة شأنهم في ذلك شأن سكان باقي المدن الأربع بمتابعة الدولة بكل جدية لكل المنشآت التي سيتم انجازها في اطار مختلف نسخ المهرجان لتطويرها و تفعيلها و توظيفها في الارتقاء بمختلف اوجه النماء و التطور في المدن التاريخية الأربع.
و الواقع أن تطوير المدن التاريخية الأربع و النهوض بها على مختلف المستويات ، ينبغي أن يكون تمهيدا و مدخلا لعمل واسع و ممنهج يرمي الى اعادة تأهيل مدننا التاريخية المندثرة مثل كونبي صالح و اوداغست و أزوكي ، بغية نفض الغبار عن ما تحويه من آثار و تراث معماري و ثقافي وفني وعلمي يتجلى من خلالها ما كان لبلادنا من مكانة علمية و ريادة سياسية و تأثير تاريخي في شبه المنطقة.
وذلك يستلزم القيام باعمال حفر و تنقيب و نبش و استقراء ممنهجة من شانها ان تقود الى اكتشافات اركيولوجية ذات قيمة سوسيولوجىية و انثربولوجسة و تاريخية و من شأنها كذلك استخراج ما هو مطمور تحت التراب من قطع أثرية و تحف ذات قيمة كبيرة تثير فضول و اهتمام الباحثين و علماء الآثار و المؤرخين ويمكنها تغذية المتاحف على الصعيدين الوطني و الدولي.
وخلاصة القول فان المهرجان السنوي للمدن القديمة الذي يجري الآن الاحتفال بطبعته التاسعة ، هو عمل ايجابي ، وله انعكاسات عديدة على هذه المدن و سكانها ، كما أنه كفيل بابراز و رسملة ما تزخر به من كنوز أثرية و علمية و تراثية خليقة بان تلقي أضواءا كاشفةعلى الدور التاريخى الذي قد تبوأ ته البلاد في شبه المنطقة وعلى اسهامها في تحديد ملامح المشهد الحضاري في الفضاء ين المغاربي و الساحل الصحراوي.
نواكشوط 14 نفمبر 2019
د. محمد الأمين ولد الكتاب