(أشار الباحث المتخصص في شؤون العالم العربي والجماعات الإسلامية ماتيو غيدار، إلى أن تنظيم القاعدة في المغرب العربي هو المسئول عن محاولة اغتيال الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز؛ مؤكدا على أن الجيش الموريتاني مخترق من قبل أفراد ينتمون إلى جماعات جهادية.
وأضاف ماتيو خلال حواره لبرنامج باريس مباشر المذاع على قناة فرنسا 24: أن الأمن في موريتانيا يمر بظروف صعبة، كما تواجه مؤسسات الدولة هناك تهديدا حقيقيا ومتواصلا يستهدف قواعدها العسكرية، إضافة إلى عدد من المصالح الغربية في البلاد، بفعل كثافة نشاط الجماعات الأصولية التابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
وبهذا الخبر العالمي الذي أورده الباحث غيدار ينكشف مدى زيف الرواية الرسمية حول حادثة إطلاق النار على الرئيس محمد ولد عبد العزيز...!)
ذلكم هو آخر ما توصلت إليه تخرصات المفزوعين من صدق الرواية الرسمية، ومن الأخبار المتواترة عن تجاوز الرئيس مرحلة الخطر، وعن قرب عودته لبلاده، ومباشرته لتسيير الأمور الجارية..
ولا يهم في ذلك أن تكون رواية غيدار مجرد كلام مرسل بلا دليل ولا تفصيل، ولا إثباتات ولا شهادات، ولا وقائع ولا معطيات، ما دامت تناقض الرواية الرسمية وتبقي باب "الأمل مفتوحا" في تحقق بعض أحلام العاجزين وأماني المنهكين!!
إنها حالة غريبة من الهوس بفرض الأماني والأوهام تملأ مختلف وسائل الإعلام؛ غير آبهة بتناقضاتها الغبية التي لا يخطئها إدراك المراهقين، ناهيك عن عقول البالغين!!
وأغرب ما في تلك الحالة المرضية هو إصرار أصحابها على طلب المزيد من التوضيحات للرواية الرسمية البسيطة والواضحة والمحكمة؛ دون أن يلتفتوا إلى حقيقة أن الأولى بالتوضيح والنقد والمساءلة هو كثرة رواياتهم هم، واختلافها وتناقضها ولا معقوليتها..
1) رواية عاجلة تقول إن الرئيس تم استهدافه من طرف أحد حراسه الخصوصيين داخل القصر الرئاسي؛ حيث قتل هذا الحارس على الفور من طرف ذلك الحرس...
ثم ماذا؟ لا شيء؛ فهذا الحارس ليس له اسم، ولا رسم، ولا أسرة تعزى، ولا قبيلة يعرف بها، ولا مقبرة يدفن فيها، ولا معارف يفتقدونه ويسألون عنه!!
2) رواية ثانية؛ تقول إن النار لم تطلق على الرئيس في "اطويلة"؛ ولو كان الأمر كذلك لوصل المستشفى ميتا أو مغمى عليه.. ثم تؤكد الرواية ب"ثقة" أن حادثة إطلاق النار تمت داخل العاصمة بعد دخول الرئيس وقبل وصوله للقصر.. أما من شاهد الحادثة في مدينة تغص بالحركة؟ ومن سمع صوت إطلاق النار (الذي ربما يكون حدث في نقطة ساخنة) فلا جواب، ولا أهمية لهذا الجواب.
3) رواية ثالثة أكثر إقناعا ومصداقية؛ تؤكد أن الرئيس استهدف من قبل ضباط في الجيش أرادوا إعاقته دون قتله.. ولا تقدم هذه الرواية كل التفاصيل اتكالا على ذكاء المواطن الذي سيستنتج بقية القصة ببساطة؛ وهي أن الضباط طلبوا من الرئيس أن يقف، وأن يظل ساكنا حتى يتمكن أحدهم من إطلاق النار عليه بدقة تضمن عدم إصابته في مقتل بعد أن أوضحوا له أنهم لا يريدون إنهاء حياته.. ولا شك أن الرئيس كان متعاونا تماما، كما لا شك أنه شكر الضابط الذي أطلق النار على دقة تسديده وحرصه على حياته.
4) رواية رابعة لا مطعن فيها من أي جانب، حيث تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الأمر يتعلق بمحاولة انقلابية نفذها قادة عسكريون أرادوا فعلا قتل الرئيس لكنه نجا بفضل وصوله للمستشفى في وقت قياسي، ونظرا لقوة نفوذ مستهدفيه فقد أجبروه على كتم سر استهدافه من قبلهم ولقنوا له تلك الرواية غير المقنعة فاستجاب لهم وقال ما قال.. بمعنى آخر: هم أجبروه على تبرئة مستهدفيه وعدم ملاحقتهم؛ لكنهم لم يستطيعوا إجباره على ترك السلطة.. وهذا منطق جد متماسك يستحيل الطعن فيه!!
5) الرواية الخامسة ليست من صنع العامة والدهماء، إنها رواية المثقفين والخبراء في العلاقات الدولية؛ رواية قصيرة وبسيطة وقاطعة ومقنعة: رحل ساركوزي "حليف" عزيز؛ فكان من اللازم أن يصفي هولاند حساباته مع هذا الأخير؛ فكلف عملاء فرنسا من قادة المؤسسة العسكرية الموريتانية بالقيام بالواجب؛ ولأن الرصاصة لم تقتل الرئيس فقد اتصل به هولاند وطلب منه التوجه إلى مستشفى بيرسي العسكري ليتولى الأطباء الفرنسيون إنهاء العمل.. وبالطبع قبل ولد عبد العزيز دعوة نظيره الفرنسي بعد أن اعتذر له عن سرعة وصوله للمستشفى آملا أن يكون الأمر ما زال محل تدارك!!
الرواية السادسة، والسابعة، والثامنة... لا، لا يمكن حصر كل الروايات؛ فالندرة ليست صفة من صفات الأمور التافهة والروايات السخيفة، فنكتفي بهذا القدر من عبث نخبتنا المميت وسخفها السخيف، وإن كان لا بأس من الإشارة إلى أن آخر الروايات المنتجة من مصنع الأقاويل البائسة قد تم نسجها بإحكام من داخل عالم الغياب والأحلام!!
الرواية إذن واحدة لا ريب فيه، ولا تناقض، ولا غرابة، ولا مطعن فيها: "قدر الله وما شاء فعل"..
إنه رئيس معروف بجرأته وبساطته وشجاعته؛ يمشي في جولة غير رسمية؛ فيتجنب تحميل دولته أعباء تحركاته الشخصية؛ ويكتفي بسيارة مرافقة أمنية واحدة تسير خلفه في ظروف أمن مستتب لا يتطلب إجراءات حماية خاصة، وضابط في دورية للأمن يترك محل عمله لقضاء بعض شأنه؛ فيستغل سيارته الخاصة ويأخذ مرافقا له وهما في لباسهما المدني؛ ولكنهما لا يتركان سلاحهما؛ ف"المؤمن مع سلاحه"..
ثم يدبر الله الأمر من فوق سبع سماوات: "ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير"، صدق الله العظيم...
وإذا قدر الله أمرا هيأ له أسبابه؛ فقد لاحظ الضابط تلك السيارة المسرعة بشكل لافت؛ فتحرك الحس الأمني داخله؛ فلم يجبن ولم يعلل نفسه بأنه في هيئة ومهمة غير عسكرية؛ فسارع باعتراض سبيلها مشهرا سلاحه في وجهها وطالبا منها التوقف؛ ورأى الرئيس على ضوء سيارته تلك السيارة المدنية ورجلين بلباس مدني يشهران في وجهه السلاح؛ فما كان ليوجد أبلد منه ولا أغبى ولا أضعف ثقافة أمنية لو أنه توقف لهما؛ حتى لو انكشف له بعد ذلك أنهما صديقان، وأي غبي ذلك الذي يتوقف لنقطة أمنية بمظهر غير مألوف وهي تشهر السلاح في وجهه..
وما كان لنا كذلك أن نعرف أغبى من الرجلين ولا أقل منهما وعيا بمسئولياتهما لو أنهما ترددا لحظة واحدة في إطلاق النار على تلك السيارة حين رفضت التوقف لهما..
وهكذا كان قضاء الله وقدره فوق تقدير البشر، وتخمينات البشر، واحتياطات البشر.. فلا نملك إلا الرضا بالقضاء، والشكر لله على سلامة الرئيس بعد ذلك الابتلاء..
ودقائق غير كثيرة بعد ذلك فتحت الجهات المعنية تحقيقا في الحادث، وأوقفت الرجلين لتسارع بإخلاء سبيلهما بأمر من الرئيس المصاب نفسه؛ بعد أن تأكد بما لا يدع مجالا للشك سلامة قصدهما ونبل إرادتهما في حماية البلد، وفي الوفاء بالأمانة العظيمة الملقاة على عاتقيهما..
وأياما بعد ذلك التحقيق، وبعد تعافي الرئيس وتحسن صحته، بدأت الأصوات الماكرة والمتخابثة تتعالى مطالبة بفتح تحقيق في الحادث، وبإطلاع الرأي العام على تفاصيل ما وقع وعلى حقيقة الحالة الصحية للرئيس؛ لعل وعسى أن يكون ما قدمته الجهات الرسمية من معلومات ناقصا أو غير دقيق.. وهو مطلب لو تعلمون غريب!!
غريب لأن التحقيق في الحادث هو مسئولية الجهات العسكرية والأمنية، وقد سارعت هذه الجهات بإجراء ذلك التحقيق حتى قبل أن يعلم كثير من المواطنين بالحادث؛ ثم كشفت كل ما يهم المواطنين من مضمون هذا التحقيق؛ فإما أن يكون لمعارضتنا ثقة بتلك الجهات وبمختلف مؤسسات الدولة فعليها أن تصدق الرواية الرسمية؛ وأما أن لا تكون لها ثقة بها، وأن تكون ثقتها محصورة في ما تنشره مواقع الإثارة والشائعات والتخرصات؛ فإن عليها حينئذ أن توجه طلبها لتلك المواقع كي تجري لها تحقيقا بالشكل الذي تريد، وتحقيقا للنتيجة التي تريد، وتضمنه كل الوقائع و"الحقائق" المنسوجة من وحي وهم الحالمين، وأماني العاجزين؛ لتتسلى بتداولها ردحا من السنين!!
ولا يختلف الأمر بالنسبة للتحقيق في صحة الرئيس، وطبيعة إصابته؛ حيث إن محمد ولد عبد العزيز يحمل صفتين: صفته الشخصية، وصفته الرسمية، ويترتب على ذلك أن أحواله وأموره الشخصية تظل منطقة محرمة على كل من سواه، شأنه في ذلك شأن كل إنسان.
وأما ما يتعلق بصفته الرسمية فإن الاطلاع عليه حق مشروع لكل المواطنين وفق آليات وضوابط وآجال دستورية محددة، وهو ينحصر هنا في أهليته للقيام بواجباته الوطنية والدستورية التي انتخب خصيصا لأجلها..
وفي ظل إصابة الرئيس الحالية يكون من حق الموريتانيين الاطلاع على ثلاثة أمور رئيسية وهامة:
1) سبب إصابة الرئيس وما إذا كانت ناتجة عن اختراق أو خلل أمني يهدد المصالح العامة للدولة والمجتمع، وقد تحقق الجميع في الوقت المناسب، وبالأسلوب المناسب، ومن الرئيس نفسه، من سبب الإصابة ومن أنها لم تنجم عن أي خلل أمني يثير الخوف أو القلق.
2) مدى الإصابة وتأثيرها على الرئيس وقدرته على الاستمرار في أداء واجباته، وقد تحقق المواطنون في الوقت المناسب، وبالأسلوب المناسب، وبإفادة الرئيس نفسه من أنه لا خطر على حياته ولا على قدراته الجسمية والعقلية.
3) تطورات الحالة الصحية للرئيس؛ ويتأكد –بفضل الله- في كل يوم أن هذه الحالة في تحسن مضطرد؛ وأنه يتابع الشؤون الجارية في الدولة، وأنه بدأ في استقبال بعض المسئولين؛ إضافة لإجراء المكالمات الهاتفية؛ فضلا عن بحثه لأحد أخطر الملفات الشائكة في المنطقة مع وزير الدفاع الفرنسي.. وكلها مؤشرات أكيدة على التحسن المضطرد لصحة للرئيس، وعلى صحة التكهنات حول قرب عودته.
فلا تكون الدعوة لفتح تحقيقات في الموضوع، وبنبرة لا تخلو من استعلاء على المؤسسات، واستخفاف بالدولة وبكل السلطات.. إلا محاولة مكشوفة لوضع المتاريس في طريق تحقق أي نوع من التلاقي والاجتماع الوطني المنشود في مثل هذا الظرف المتميز..
وسيكون ناصحا، وصادقا، وأمينا كل من نصح أولئك السياسيين الذين تعودوا على "شخصنة" جميع مواقفهم مع رئيس الجمهورية، بأن يخففوا من الإبانة عن تلك العقد المستديمة في هذا الظرف بالذات، قبل أن يحرقوا آخر ورقة توت تغطي ما بقي "مستورا" من مواقف قد تكون بنيت على أي شيء؛ إلا احترام تطلعات هذا الشعب، وعقله، وإدراكه، ومشاعره، وطموحاته..
وإنا لنعلم أنه... "لا رأي لمن لا يطاع"...