كان قرار تنظيم مهرجان المدن القديمة قرارا استيراتجيا موفقا اتخذته معالي وزيرة الثقافة والشباب والرياضة وقتئذ السيدة سيسه بنت الشيخ ولد بيده، وقد كانت هيئة المدن القديمة قاب قوسين أو أدنى من الحل، والشركاء الدوليون على وشك التخلي عن دعم مدننا الأثرية وقد هددوا بذلك في أكثر من مناسبة، وملاحقة المملكة المغربية للتراث الحساني في صحراء البيظان ومحاولات تسجيله باسمها في اليونسكو بلغت حدا تجاوز حدود اللباقة وقواعد المجاملة الدبلوماسية.
لم تمنع هذه الأسباب مجتمعة الوزيرة النبهة صاحب البصيرة الثاقبة والوطنية الراسخة من اتخاذ قرارها بتنظيم مهرجان دوري تحت اسم" مهرجان المدن القديمة " يكون مناسبة لتلاقح الأفكار ونفض الغبار عن تاريخ أمة بلغت شأوا بعيدا من الرقي العلمي والازدهار الاقتصادي بمعناه التراثي الضارب في القدم.
كانت الدورة الأولى بشنقيط بعد قرعة توافقية حضرها عمد المدن القديمة الأربع، قد حازت اعجاب وتقدير الحضور والشركاء الذين كانوا يهددون بالأمس برفع يد الرعاية و الاحتضان عن تلك المدن الأثرية التي أنهكها الزمن و ضربها المفسدون القائمون على تسيير هيئتها.
وفي النسخة الثانية بوادان وبعد تقييم النسخة الأولى تمكنت من إقناع الرئيس المنصرف السيد محمد ولد عبد العزيز من ضرورة دعم كل أسرة في المدينة المحتضنة للتظاهرة بملغ مالي أقصاه ٢٠٠ ألف أوقية قديمة لتمكينها من تحضير سكن لائق مع تعويض الدولة لنفقات نزلائهم وهي سنة لا زالت قائمة حتى الآن .
و اليوم تختتم، الدورة التاسعة من المهرجان بمدينة شنقيط دون أدنى ذكر لمعالي الوزيرة صاحبة المبادرة ولو بكلمة تقدير وشكر لهذا الجهد المعطاء الذي جسد اللحمة الوطنية في أبهى صورها والديمقراطية الثقافية في ارقى معانيها ( الإعتراف بالآخر) والتنمية المحلية التي تتكئ على منتوج محلي متقن ينافس في المعارض الاقليميةو الدولية، فضلا عن خلقها لجو انفتاح سياسي هادئ يتقاسمه جميع المواطنين سواء بسواء.
ألم يأن للقائمين الممسكين بتلابيب هذا الوطن أن تخشع قلوبهم لذكر الله، فيدركوا أن قتل النفس حرام وقتل المواهب مدان والقتل المعنوي للإنسان جحدان لكفاءته وتميزه عن أقرانه.
و إذا كان برنامج تعهداتي قائم على معنى العهد، فعلى رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني أن يضع حدا لنكران جميل هذه الوزيرة وأمثالها ممن حفروا أسماءهم في الذاكرة الجمعية لموريتانيا وتكريمها في مناسبة الذكرى ٥٩ لعيد الاستقلال الوطني لعل وعسى أن يكون التكريم حافزا لكل مسؤول كفؤ شريف بالسير على دربها.
الكل يعلم أن هذا المهرجان وبعد تسع سنوات لم يشهد إضافات تذكر تمس من شكل التنظيم وآلياته وجهات تمويله غير تلك التي وضعتها معالي الوزيرة في نسخته الأولى المنظمة سنة ٢٠١٠ بشنقيط، ما يعني أن القرار كان قرارا استيراتجيا بامتياز، و لم يكن القرار الاستيراتجي الوحيد في قطاعها فحسب بل كانت هي مهندسة اليوم الوطني للرياضة الذي تشرفون عليه في شهر ابريل من كل عام و ماراتون نواكشوط الدولي والسباق المدرسي والخطة الاستعجالية لبناء المنشئات الشبابية والرياضية و سباقات الدراجات الهوائية التي لم تعرف من قبل في بلادنا وقد أضحت اليوم طوافا بفضل تلك الجهود القاعدية التي أطلقتها تشجيعا وتوسيعا للممارسة على كامل التراب الوطني. كما أقنعت الدولة بمنح واحد في المائة من عائدات الجمارك لدعم الرياضة والثقافة مما ساهم في رفع علمنا خفاقا في المحافل الرياضية الدولية في الكثير من الرياضات وخاصة كرة القدم، و جلب الكثير من الاستثمارات الأجنية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر تمويلا بلغ ست مليارات من الاوقية القديمة على فترة اربع سنوات موجه إلى مشروع مكافحة التطرف والحوار بين الثقافات.
كل هذا وذاك يتربع الوزراء على هذا القطاع الذي أصبح قطاعين وزاريين منذ ٢٠١٤ لا يحركوا ساكنا ولا يقدموا خيرا ولا يردوا شرا يستنسخوا ما جسدت معالي الوزيرة سيسه بنت الشيخ ولد بيده شبرا بشبرا وذراعا بذراعا و تبعد هي في البيت ثم إلى الخارج بعد انتظار دام أكثر من خمس سنوات دون تقدير معنوي حتى.