قبل التطرق للحديث عن المنظومة الأخلاقية يجدر بنا التساؤل عن معنى العولمة ’ خاصة عولمة القيم ـ التي كنا قد تحدثنا عنها بشكل مقتضب في مقال سابق ـ فما الذي نعنيه بالعولمة بشكل عام ’ وكيف يتسنى أو يستقيم وجود قيم أخلاقية في ظل عالم ميسمه وطابعه الأعم فرض ثقافة واحدة أو قطب واحد ؟ ما معنى عولمة القيم ’ ألا يعنى ذلك التخلي ولو جزئيا عن بعض القيم في مقابل الحفاظ على جزء منها ؟ إذا كان العالم قد حاول عولمة الاقتصاد فهل بإمكانه التجاسر إلى عولمة القيم التي تعبر عن تراث مجتمع ما أو هويته وأصوله ؟أسئلة ضمن أخرى سنتعرض لها علها تساهم في حل أو حلحلة السؤال الكبير : كيف نحافظ على منظومتنا الخلقية والقيمية في ظل عالم لا يعترف بالخصوصية الثقافية وإنما بثقافة القطب الواحد ’ ألا يعد ذلك إقصاء لثقافة الآخر ونفيا له؟ .
تعتبر ظاهرة العولمة من أكثر الظواهر إثارة للجدل ومثلت نقاشا محتدما خلال حقبة القرن الواحد والعشرين بين المفكرين لما لها من جوانب وآثار { ايجابية وسلبية } على جميع الصعد ’ سواء على صعيد الدوائر الرسمية وغير الرسمية ’ كما أنها تؤثر على الأنظمة خارجيا وداخليا ’ فالعولمة منظومة متكاملة يرتبط فيها الجانب السياسي بالجانب الاقتصادي ’ والجانبان الأخيران يتكاملان والجانب الاجتماعي والثقافي ’ وعلى هذا الأساس نقول إن العولمة الثقافية غالبا ما تكون مدعومة بالنفوذ السياسي والاقتصادي ’ ولهذا فهي تتمظهر في عدة تمظهرات ’ فهنالك إلى جانب العولمة الاقتصادية ة نجد العولمة الثقافية وحتى العسكرية والتقنوية ....الخ ولا شك أن العولمة بالمفهوم الشامل ترعاها أياد ناعمة ولا نستحي في هذا المقام أن نسميها ’ إنها الأيادي المؤمركة ’ فهي تفرضها القوى الناعمة الفوقية باللغة الماركسية وتمارسها الأطراف القوية في الساحة الدولية على المجتمعات النامية ’ فارضة عليها نظاما عالميا جديدا للثقافة والتبادل الثقافي وهو نظام أعد إعدادا محكما ’ بحيث يكون له من التأثير والقوة للنفاذ إلى المنظومة القيمية والمبادئ والتراث الثقافي في هذه المجتمعات ’ ولهذا يكون دور المثقف أو المتعلم هو حل طلاسم هذا النوع من الظواهر بغية تعريته وفضحه آخذا منه ما هو ايجابي وراميا عرض الحائط ما هو سلبي منه ’ لأن الانبهار بالحضارة الغربية طغى على المجتمعات العربية وخاصة الشباب من خلال طغيان الجانب المادي على الجوانب الأخلاقية والروحية ’ ولهذا فإننا مطالبون بإحداث ثورة في المناهج التربوية التي يجب أن تكون لها ضوابط أخلاقية ’ وفى ظل احتمال تغير قيم المتعلم بفعل تحديات العولمة مما يتطلب تزايد الأدوار المتوقعة للمؤسسات التعليمية في الحفاظ على تلك القيم ’ باعتبار أن العولمة تحارب الخصوصيات الثقافية ’ إنها تعنى صياغة العالم بشكل شمولي تمحى فيه الخصوصيات والهويات كي تتم قولبة العالم في كيان واحد انه الكيان المؤمرك ’ فتضيع القيم ويتم تحويلها واختزالها في قطب واحد ’ ونظرا إلى أن مفهوم العولمة يحمل في طياته معنى الهيمنة والسيطرة على الشعوب وثقافتها الأصولية فكريا ونفسيا وتربويا’ فهل بالإمكان تخلى بعض البلدان عن هويتها أو قيمها الثقافية مقابل اختزالها أو مسخها من طرف الآخر ؟ ’ فهناك من العلماء من يرى أن القيم والاتجاهات ـ كمرادف للقيم ـ وجهان لعملة واحدة ’ فالعولمة ظاهرة مركبة وقديمة الغرض منها السيطرة على العالم من جانب واحد كما قلنا وفرض ثقافته ’ فهي ليست ظاهرة اقتصادية أو سياسية أو تقنية ’ فحسب بل إنها ظاهرة تاريخية قديمة وليست جديدة ومن رحمها تولدت مصطلحات مثل : النظام العالمي الجديد والقرية الالكترونية واقتصاد السوق ...الخ .وتتجلى خطورة العولمة خاصة عندما يتعلق الأمر بالجانب الثقافي الأكسيولوجي القيمي ’ لكونها تجاوز لحدود الشعوب وخصائصها الدينية والتاريخية وحتى القومية والسياسية لأنها تسعى إلى تجسيد الثقافات الأخرى ذات الأيادي الناعمة وفرضها ’ وقهر الهوية الثقافية للأمم الأخرى ’ فالقيم والأخلاق من عناصر الثقافة اللامادية كما أنها جزء لا يتجزأ من الثقافة وهى ثابتة طبقا للفلسفة المثالية ’ ولكل مجتمع قيمه الخاصة به والتي تختلف من مجتمع لآخر وفقا للثقافة السائدة في ذلك المجتمع . فإلى أي حد يمكن القول إن ثقافة العولمة تتنافى وقيم الاعتراف بالثقافات الأخرى ’ وأي معنى للقيم الثقافية في حالة سيادة ثقافة القطب الواحد أليس في هذا نوعا من الاغتراب والاستلاب الثقافي ؟؟
ذ ـ السيد ولد صمب أنجاي
والسلام على من اتبع الهدى ونهى النفس الأمارة بالسوء عن الغوي